خطوتان يا معالي الوزير ونتطلع إلى الثالثة!!

هذا المقال مؤجل منذ فترة، وهو مقال حول الحج والطوافة، كنت أنوي فيه التعليق على الحوار الذي أجرته هذه الصحيفة مع صاحب المعالي الدكتور فؤاد بن عبد السلام الفارسي، وزير الحج، ونُشر قبيل موسم الحج، وكان تأجيله بسبب رغبتي في مضي موسم الحج ليتضمن شواهد وملاحظات حول الموسم إن وُجدت..
ولكن تتابع الأحداث، وتزاحم الأفكار، أدّى إلى تأجيله حتى اليوم، ولعل في التأخير خيرًا.

فقد تضمنت الحلقة الأولى من حوار سعادة رئيس التحرير لمعالي وزير الحج، ثلاثة محاور هامة، وتأتي أهميتها من الآثار التي ستترتب على العناية بها وتطويرها، هذه المحاور هي:
1. أجور الخدمات التي تتقاضاها مؤسسات الطوافة.
2. خدمات إسكان الحجاج.
3. عمل مؤسسات الطوافة في خدمة المعتمرين.

فأجور الخدمات كما أكد معالي الوزير محددة منذ أكثر من ثلاثين عامًا، ارتفعت في الأسعار وتكاليف الخدمات بشكل كبير، وتسبب هذا الجمود في قيمة هذه الأجور، والمحددة بـ 166.25ريال عن كل حاج لمؤسسات الطوافة، في إعاقة تطوير الخدمات بما ينسجم حتى مع التطور الطبيعي الذي تشهده أي خدمة. وفي هذا الصدد استبشر أهل المهنة بإجابة معالي الوزير، التي تضمنت بأن الأجور أصبحت زهيدة جدًا مقارنة بما تتقاضاه مؤسسات حجاج الداخل، وأن الجهات المعنية بصدد دراسة هذه الأجور. وهذه الإجابة تضعنا على أول درجة في سلم التصحيح، وهي توافر القناعة لدى معالي الوزير والجهات الأخرى المعنية، وتُعد خطوة زيادة الأجور بما يتناسب مع مستويات الأسعار، ومتطلبات التطوير، خطوة هامة -في حال تحقيقها- على طريق الارتقاء بالخدمات المقدمة لضيوف الرحمن.

وأمّا ما يتعلق بإسكان الحجاج فقد فرضت التعليمات حظرًا على دخول مؤسسات الطوافة طرفًا في عملية تأجير مساكن الحجاج، على خلفية أن هناك شكاوى من الحجاج، وذلك منذ عام 1410هـ، ولا زالت قائمة حتى اليوم، أي مضى عليها عشرون عامًا، استفادت خلالها البعثات ماديًّا، ومعنويًّا، وفي المقابل تضرر المواطن -مالكًا ومؤجرًا-، الذي أصبح في الموقف الأضعف أمام البعثات، التي بدورها فرضت شروطها عليه، وتضرر كذلك الاقتصاد الوطني بخروج مئات الملايين من دورته الاقتصادية، في شكل تحويلات للوفورات والعمولات التي تحققها البعثات والسماسرة. كل هذا وكما ذكر معالي الوزير والمشاكل لا زالت مستمرة.

وهنا أيضًا استبشر المطوفون بإجابة معاليه عندما قال: “أعتقد أنه من الأهمية بمكان أن يتم رفع الحظر عن مؤسسات أرباب الطوائف، وتمكينها من تملك واستئجار الدور، وإعادة تأجيرها على الحجاج وممثليهم، وإعطاء الحاج أو من يمثله.. الحق وكامل الحرية في اختيار واستئجار السكن الملائم”.

لم يقتصر تأثير ضوابط الإسكان على الجوانب المادية التي ذكرتها أعلاه، وإنما امتد إلى مستوى الخدمات التي تُقدم لضيوف الرحمن، فالمطوف في السابق عندما كان طرفًا في عملية الإسكان كان سكن حجاجه -أو معظمهم- قرب مقر تواجده، وهذا يجعل تواصله معهم، خدماته لهم مستمرين طوال فترة إقامتهم في مكة المكرمة، وأمّا الآن فليس للمطوف خيار في تحديد مواقع سكن حجاجه، وكثيرًا ما يحدث أن تنتشر مساكن حجاجه في عدة مواقع، وهو ما أسهم في إضعاف الصلة المباشرة بينه وبين حجاجه، وأثر على مستوى الخدمات المقدمة لهم.

ولي في موضوع الإسكان ثلاثة مواقف أذكرها باختصار، الموقف الأول كان مع معالي وزير الحج الأسبق الدكتور محمود بن محمد سفر، عندما ذكرت له في عام 1417هـ أن الحل يكمن في دخول مؤسسات الطوافة طرفًا في عقود التأجير والخدمات، وحصولها على عوائد مقابل ما تقدمه من خدمات الإشراف على المساكن، التي فرضتها عليها ضوابط الإسكان بدون مقابل.
والثاني: هو أنني قمت بحساب ما تُنفقه مؤسسة واحدة على عملية الإشراف على مساكن حجاجها، فوجدته يقترب من أربعة ملايين ريال.

الثالث: أنني قدمت مقترحًا برفع الحظر عن مؤسسات الطوافة، ككيانات تُضاهي قدراتها قدرات بعثات الحج في التفاوض، وإفساح المجال لها لتقديم خدمات إضافية في مجال الإسكان، وذلك أثناء عملي كعضور مجلس إدارة ورئيس مجلس تنفيذي بمؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية، وكررت عرضه بين زملائي في المؤسسة، وبين يدي مسؤولي الوزارة، وأيضًا نشرته ضمن مجموعة من مقالاتي حول الحج والطوافة. ولذلك سرني كثيرًا أن يتوافق مقترحي نصًّا مع ما تبناه معالي الوزير.

وهنا أيضًا نجد أنفسنا أمام درجة ثانية على سلم التصحيح، وهي خطوة هامة كسابقتها في مجال الارتقاء بمستويات الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن.

وأما الخطوة الثالثة التي رأى معالي الوزير أن الحاجة لا تدعو لها في الوقت الراهن، فهي تمكين مؤسسات الطوافة من تقديم خدمات العمرة، فهي التي نتطلع -كمطوفين- إلى أن يتبناها بل وينفذها -عاجلاً- معالي الوزير، لأنها تواجه أهم تحديات مؤسسات الطوافة، التي لا يتنبه لها الكثيرون، وهي الطبيعة الموسمية لأعمال المؤسسات، والتي ترسخت أكثر فأكثر بتطور وسائل النقل، وتقلص متوسط مدة رحلة الحج، فبعد أن كان المطوفون يعملون طوال العام، ستة أشهر في خدمة الحجاج في مكة المكرمة، وستة أشهر في التسويق لخدماتهم في بلدان حجاجهم، أصبح عملهم مقتصرًا على عدة أسابيع، وهو ما يحول دون تمكين المؤسسات من الاحتفاظ بأعداد أكبر من كوادرها المتميزة، بهدف تدريبها وتطوير مهاراتها.

والسماح لمؤسسات الطوافة بالعمل في مجال خدمات المعتمرين سوف يواجه هذا التحدي، ويمكنها من الاحتفاظ بأكبر عدد من كوادرها الموسمية، وتحويلها إلى كوادر دائمة، وعدم التردد في الاستثمار في تدريبها وتنمية معارفها ومهاراتها.

المدينة 12/3/1430هـ