رسائل من الصين

كنت طوال الأسبوع الماضي في زيارة عمل للصين ، هي الأولى بالنسبة لي ، تنقلت خلالها ما بين أربع مدن رئيسية ، هي شانغهاي ، وإيوو ، ووينجو ، وخانجو ، وذلك بهدف زيارة بعض المصانع المتخصصة في تصنيع آلات عمليات ما بعد الطباعة (تجليد وتشطيب وتغليف المطبوعات) ، والاطلاع على مراحل ومكونات تصنيع الآلات .

ولكونها الزيارة الأولى وجدتني أراقب كل ما صادفني هناك ، وقد لفت انتباهي عدة أمور ، وجدت فيها رسائل لعل من المفيد نقل بعضها إلى القراء الكرام ، ولعلي أبدأ بأهمها ، وهي رسالة أنقلها من إخواننا المسلمين هناك ، إلى من يهمه الأمر من المسئولين في بلدي العزيز ، وعلى الأخص المعنيين منهم بالحج والعمرة والدعوة إلى الله .

فحسب روايات المسلمين هناك فإن أعداد المسلمين هناك تتجاوز خمسة وسبعين مليون نسمة ، وبعض الروايات تتحدث عن أكثر من مائة مليون ، وأما الإحصائية الرسمية فلا تقر إلاّ بثلاثين إلى خمسة وثلاثين مليون مسلم ، وأن التأشيرات الممنوحة لحجاج الصين في المواسم الماضية هي في حدود ألفي تأشيرة ، زيدت في الموسم الماضي إلى ما دون الثلاثة آلاف تأشيرة.

وذكر لي أحد الإخوة اليمنيين المقيمين في الصين قصصاً مؤثرة عن أعداد من مسلمي الصين الراغبين في الحج إلى بيت الله الحرام ، ولم تُتح لهم الفرصة بسبب الحصة المحدودة جداً من التأشيرات (المفترض أن تكون 30 ألف تأشيرة والممنوح لهم لا يصل 3 آلاف) ، وذكر كيف أن بعضهم يضطرون إلى السفر إلى دول شرق آسيوية أخرى ، وكيف يتعرضون لاستغلال بعض وكالات تنظيم الحج هناك ، وذكر لي قصة أحدهم الذي أنفق ما جمعه في سنوات طويلة لرحلة العمر إلى بيت الله الحرام ، وكيف أن رغبته في الحج جعلته يصل إلى دبي على أمل الحصول على تأشيرة حج مع المقيمين هناك ، ولكن محاولته باءت بالفشل ، ففقد ما جمعه من أموال للحج، ولم يحج وعاد مكسور الخاطر.

وقد سبق لي في مقال سابق ، تعليقاً على زيارة خادم الحرمين الشريفين للصين ودول شرق آسيوية أخرى ، الحديث عن أهمية التوجه نحو الشرق سواء على مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية ، أو على مستوى الدعوة إلى الله ، وذكّرت نفسي ومن يعنيهم أمر الدعوة أن غالبية المسلمين يتركزون في الشرق ، (إندونيسيا، باكستان ، ماليزيا ، و الأقليات في الهند و الصين) ، و أن أكبر دولة إسلامية هي إندونيسيا ، وجميعها من الدول التي دخل أهلها الإسلام أفواجاً من خلال الاحتكاك والتعامل مع التجار المسلمين ، وطالبت بالمزيد من التركيز على الشرق في جهود دعوة غير المسلمين .

ومواسم الحج تُعد فرصاً ذهبية لتعزيز العلاقات بين المسلمين ، وعلى الأخص الأقليات ، وبدرجة أكبر الأقليات التي تعرضت لعقود من القمع والحرمان من الاتصال بإخوانهم المسلمين في مواسم الحج ، ومنهم مسلمو الصين وأواسط آسيا ، وفي تصوري أن توجيه عناية خاصة لهذه الأقليات سوف يدعم جهود الدعوة ، ويُثمر خيراً كثيراً لأمة الإسلام ، ويعينها على مواجهة التحديات الماثلة ، والتي تعاظمت ما بعد 11 سبتمبر ، تحت عنوان ما سُمي (الحرب على الإرهاب) ، وهي في الواقع الحرب على الإسلام .

ولذلك فإنني أنقل هذه الرسالة إلى معالي وزير الحج الدكتور فؤاد الفارسي ، وأضع رغبة إخوانه من مسلمي الصين في زيادة حصتهم من التأشيرات لتتناسب مع أعدادهم هناك ، ولو بشكل تدريجي ..

وأما الرسالة الثانية ، فهي متعلقة بإنتاجية العامل الصيني ، فقد لفت انتباهي أثناء جولتي في المصانع التي زرتها ، أن جميع العمّال منخرطون في أعمالهم ، ولا يلتفتون إلى أي أمر آخر ، فلا أحاديث جانبية ، ولا تعطيل للعمل ، وكنا نمر مع مرافقنا بينهم أثناء الاطلاع على عمليات الإنتاج وطريقة التصنيع ، فلا يلتفتون إلينا ، ولا يتوقفون عن أعمالهم ، وكأننا لسنا موجودين بينهم .. فتساءلت متى نحتفي أفراداً ، وأسراً ، ومنظمات ، وحكومات بالإنتاجية ، فهي مفتاح التنمية ، وأساس التقدم الحقيقي للأمم ، وهي الطريق الوحيد إلى تحقيق الرفاه الاجتماعي ، الذي هو الهدف النهائي لجهود كل دولة تجاه مواطنيها ..

أما الرسالة الثالثة ، فهي متعلقة بالمشاركة الشعبية ، فقد ذكر لي مرافقي بأن بلدية مدينة إيوو بعد أن قامت بإعداد تصميمين لمشروع إقامة مجمع كبير للمعارض ، طرحته للعامة من سكان المدينة للمشاركة في اختيار أحدهما ، وهذا باعتبار أن كلا التصميمين يفيان بالمتطلبات الوظيفية للمشروع. وهنا تمنيت لو أن الجهات المعنية في مدننا تنحو هذا النحو ، وتمكن سكانها من المشاركة في تشكيلها والتخطيط لمستقبلها.

المدينة / الاثنين 28/2/1430هـ