رحم اللـه العم محمد غفوري

لقد اختاره الله إلى جواره، فودع الدنيا بعد أن عاش فيها قرابة قرن من الزمان، هذا هو العم محمد غفوري، رحمه الله، رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، فقد كان العم محمد رجلا يقوم الليل ويصوم النهار، كما كان قلبه معلقا بالمساجد، فهو ـ في عمره هذا ـ لا يصلي إلا في المسجد مهما كان الأمر. لقد عرفت العم محمد غفوري قبل أكثر من خمسة وأربعين عاما، عندما كنت برفقة والدي المطوف الشيخ أحمد سرحان رحمه الله في الجزائر، وكنت يومها ابن خمسة عشر ربيعا، وكان المطوفون آنذاك يسافرون لجميع بلدان العالم، في رحلات دعوية دعائية لعمل الطوافة. وهناك في الجزائر قابلت العم محمد غفوري، فقد كان ووالدي مطوفين للحجاج الجزائريين، وقد أخبرني العم محمد قصة عجيبة، فقال لي: بأن القانون الجزائري يمنع دخول أية مبالغ مالية للجزائر، إلا مبلغا محددا، وفي مركز الحدود الجزائرية التونسية، سأله موظف الجمارك إذا كان يحمل مبالغ مالية، فأجابه العم محمد: أي نعم، فأخبره بأنه ممنوع إدخالها للبلاد، فسأله العم محمد وكيف أفعل، فقال له موظف الجمارك، ضعها عندنا وعند خروجك تأخذها، فوضعها العم محمد لدى الموظف، ثم تجول في الجزائر لعدة أشهر، وعند خروجه من نفس المكان، سأل عن الموظف الذي أودعه نقوده، فإذا بالموظف يقول له خذ أمانتك كما هي !!. فتعجب العم محمد من أمانة الرجل ولم يصدق بأن أمواله عادت إليه!.

تربطني بالعم محمد غفوري علاقة ابن لأبيه، فقد كان والدا لنا جميعا، كان حافظا للقرآن ومعلما له، ويقول صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، كما تربط ابنته الأستاذة آمال غفوري بزوجتي علاقة أخوة وصداقة لا مثيل لها، والأستاذة آمال تركت مباهج الدنيا وزينتها لتقوم على خدمة أبيها خاصة بعد وفاة والدتها، فلم تتركه لحظة واحدة لعدة عقود متتالية، فقد كانت تقبع عند قدميه تخدمه وتقوم على رعايته والعناية به. فكانت ابنة بارة بأبيها، برا ستجد أجره وثوابه عند الله سبحانه وتعالى.

والعم محمد غفوري كان يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحب مجاورة المدينة المنورة، فاشترى بها بيتا ليكون قريبا من المسجد النبوي، ليعيش ويعايش البقاع المقدسة والأماكن الإسلامية التاريخية فيها، مثل أحد والبقيع والخندق والسقيفة والروضة والمواجهة والقبر الشريف وغيرها، وكان كلما جاء إلى مكة، أو بعد عن المدينة، اشتاقت نفسه للمدينة، فيسرع للذهاب والعودة إليها.

وعندما مرض قبل شهر تقريبا، وأدخل المستشفى في ينبع، كان يقول لابنته، اذهبي بي إلى المدينة، خذيني إلى الحبيب، فأخذته ابنته للمدينة المنورة (على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم) لتفيض روحه إلى بارئها في بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أراد وكما اشتاقت نفسه.

رحم الله العم محمد غفوري رحمة الأبرار وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وجزاه الله خيرا لأعمال البر التي كان يقوم بها في حياته من صدقة وتبرع للمحتاجين والأرامل والمساكين. ونسأله سبحانه أن يلهم أهله الصبر والسلوان، وخاصة ابنته البارة الأستاذة آمال، إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله .. ويا أمان الخائفين.

جريدة الندوة / الاثنين / 21/2/1430هـ