التوسّع في نزع الملكية لتحقيق الجدوى الاقتصادية

استكمالاً للحديث حول العشوائيات والتطوير في منطقة مكة المكرمة، والحوار الذي دار على صفحات هذه الصحيفة، بيني وبين سعادة د.م. سامي بن ياسين برهمين، المتحدث باسم مشروع معالجة وتطوير الأحياء العشوائية بمنطقة مكة المكرمة، ومدير فرع هيئة تطوير مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، بمكة المكرمة، واستجابة لتأكيده على تقبّل الأفكار والآراء حول تطوير العشوائيات، فإنني أود في البداية أن أؤكد على إيماني العميق بأهمية تطوير مدن المنطقة، وعلى الأخص العشوائيات، بل والإسراع في تحقيقه، وبالتالي فإنني على اتفاق كامل على المبدأ وهو التطوير، وأمّا الاختلاف فهو على منهج وآليات التطوير.

فمنهج إزالة الأحياء بالكامل، وأسلوب نزع الملكيات لصالح شركات القطاع الخاص، تحتاج لإعادة نظر، لما يترتب عليها من محاذير ومخالفات شرعية ونظامية.

فحفظ حقوق المواطنين، وحماية ملكياتهم الفردية، من أوجب الواجبات، وهو ما توليه الدولة الكثير من الاهتمام، وبنصوص واضحة في نظام الحكم، وهو أمر دون أدنى شك مقدّم في أولويته على التطوير؛ لأن الحقوق محددة ومحفوظة بنصوص شرعية ونظامية، وأمّا التطوير فليس محددًا، وتتباين درجة أهميته، ومدى الحاجة إليه، وفي الغالب تختلف الآراء حوله، وبالتالي فعلينا التنبه لهذه المسألة، وأن تكون الأولوية لحفظ حقوق الناس، وحماية ملكياتهم، وأن لا يُستغل توجّه الدولة نحو التطوير والإصلاح لتمرير ما يقلب الأولويات، ويوقعنا في المحظور..

وهنا أود أن أذكر مثلين لتوضيح وجهة نظري في مسألة التوسع في نزع الملكيات و قلب الأوليات، وتجاوز المصلحة العامة التي ترعاها الدولة، إلى مصالح خاصة هي دوافع القطاع الخاص للمشاركة في التطوير:

المثال الأول: هو مشروع طريق الملك عبد العزيز في مكة المكرمة، فأصل الفكرة هو شق طريق موازٍ لطريق أم القرى، لاستيعاب جزء من ضغط الحركة الكثيفة عليه، إذ إنه يستقبل ما يزيد عن 65% من حركة القدوم إلى المسجد الحرام، باعتباره امتدادًا لطريق مكة - جدة السريع.

إذن الفكرة والحاجة هي شق طريق، وهي مصلحة عامة، يقع تحقيقها ضمن مسؤوليات أجهزة الدولة، ولكن عندما كان التوجه الحالي نحو أسلوب الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، وفق مفهوم أن يمول القطاع الخاص كامل التكاليف، ويقتصر دور الدولة على منح الامتيازات بمقدار يسمح بتغطية التكاليف التي سيتحملها القطاع الخاص، ويحقق له أرباحًا لا تقل عمّا يحقق في مشاريعه الأخرى، وهو ما يُسمّى في القطاع الخاص بالجدوى الاقتصادية، جاء التوسع في نزع الملكيات إلى القدر الذي يحقق هذه الجدوى.. إذن تجاوزنا المصلحة العامة بأن ننزع ملكية ألف عقار مثلاً لشق الطريق، لننزع أربعة آلاف عقار لتحقيق الجدوى الاقتصادية، وهي مصلحة خاصة للقطاع الخاص.

المثال الثاني: مشروع تطوير المحور الشمالي لمكة المكرمة، فهو أيضًا مشروع لتطوير مدخل مكة المكرمة من جهة الشمال، وهو امتداد طريق المدينة المنورة - مكة المكرمة، فالفكرة هي توسعة الطريق، ولكن بسبب الشراكة مع القطاع الخاص، وفق مفهوم التمويل من القطاع الخاص، ومنح الامتياز من الدولة، فقد تم التوسع في نزع الملكيات بشكل كبير جدًا، ولمَن يعرف مكة وشعابها، فمساحة المشروع تمتد من شارع الحجون جنوبًا وحتّى مسجد التنعيم شمالاً، ومن الشرق، غرب شارع الجزائر وامتداده إلى شارع الحج، وصولاً إلى التنعيم، ومن الغرب يتمدد المشروع من طريق المدينة ما بعد مستشفى الزاهر نحو الغرب إلى عمق حي الكلية.

وهو في الواقع توسع مبالغ فيه في نزع الملكيات مقارنة بالحاجة لتوسعة الطريق، فرضته محددات القطاع الخاص.

وهذا التوسع في نزع الملكيات، ومن قبل ذلك الشراكة مع القطاع الخاص، يكتنفه عدة محاذير، أرجو أن يتسع لها صدر المسؤولين عن التطوير لتبيانها، وأن يتم النظر لها بعناية، كوجهات نظر تسعى للصالح العام، منها:

1- التعدي على الملكيات الفردية، وتحويلها باسم التطوير إلى ملكيات جماعية، وتحت طائلة الجدوى الاقتصادية.

2- المخالفة لنظام نزع الملكية الذي يقصر النزع على المصلحة العامة فقط.

3- فقدان المبادرات الفردية في تطوير الأحياء المزالة، وإضعافها على مستوى المدينة.

4. تفتيت النسيج الاجتماعي للأحياء المنزوعة.

5- تشويه النسيج العمراني للمدينة، بسبب ارتفاعات المباني في جميع المشاريع المطروحة، وانفصامها تمامًا عن النسيج المحيط بها.

6- ارتهان تطوير المدن لمصالح ومحددات العمل في القطاع الخاص، وغياب الحلول الشاملة، وبقاؤنا في نطاق الحلول الجزئية. فمثلاً مكة المكرمة في حاجة عاجلة إلى شبكة طرق دائرية وإشعاعية عديدة، لإنجاز المخطط الهيكلي للمدينة، وشركة طريق الملك عبد العزيز تتحدث عن أربعة عشر عامًا لإنجاز مشروعها، فهل هذا يعني أن علينا الانتظار لعدة عقود قادمة لإنجاز شبكة الطرق التي نحتاجها في مكة المكرمة؟ أعتقد أنه ليس بوسعنا الانتظار .

هذا ما أردت أن أضعه تحت أنظار المعنيين، راجيًا النظر إليه وتفنيده من منطلق المصلحة العامة، والمصلحة العامة فقط.. والله ولي التوفيق.

 

نشر هذا المقال بجريدة المدينة الاحد 14/2/1430هـ