عرفة.. ومشروع تصريف السيول

على امتداد التاريخ ومنذ أن أذن إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام في الناس بالحج وحتى تاريخنا المعاصر لم تشهد ساحة عرفات سيلاً جرف حجراً وشجراً ناهيك عن جرف الحجاج، وما ذلك إلا لأن مسيل الأمطار من جبال كرا والطائف تتجه تلقائياً إلى وادي «عرنة»، كما أن الأمطار التي تهطل على عرفات مهما بلغت غزارتها فإنها تنداح في عمق الأرض التي تنتشر بها، ولقد عاصرنا الأمطار الغزيرة التي صاحبها البرد عام 1371هـ وكذا الأمطار التي هطلت كأفواه القرب مصحوبة بالبرد عام 1374هـ فما كادت تقف حتى سارت الشقادف والجمال والسيارات بالحجاج على أرض صلبة دون أن تكون هناك قطرة مياه على أرض عرفات التي شربت جميع ما نزل من المطر، الأمر الذي لا يدعو لإقامة أي مجارٍ للسيول في عرفات خاصة أن تجربة تصريف السيول السطحية التي تم إنشاؤها قبل سنوات كان ضررها أكثر من نفعها، إذ تحولت إلى بؤرة تتوالد فيها الأفاعي وينتشر منها الذباب والناموس، كما اتضح ذلك جلياً عند القيام بكشف إحدى فتحاتها.

كما أن تنفيذ المشروع الجديد لتصريف مياه السيول السطحية بعرفات سيعرض الشجر الوارف الظلال التي مضى على غرسها حوالي خمسة وعشرين عاماً للإزالة بنسبة 50% في الوقت الذي كان ولا يزال هذا الشجر يوفر الظل الظليل لضيوف الرحمن إلى جانب إسهامه في تقليل ضربات الشمس والإرهاق الحراري الذي كان يصيب الحجاج إلى أدنى مستوى كما تؤكد ذلك إحصائيات وزارة الصحة.

ولقد سبق لأخي الأستاذ الكبير محمد صلاح الدين فيما كتب بالمدينة عدد يوم الأحد 30/12/1429هـ أن تناول الموضوع مطالباً إعادة النظر في مقترح تصريف السيول السطحية في عرفات وأن يؤخذ بالبدائل التي تحافظ على مساحة عرفات وتصون عشرات الألوف من الأشجار التي تظلل هذا المشعر الحرام.

وليس هذا فحسب بل إن فضيلة الشيخ ناصر بن عبد المحسن العبيكان المستشار القضائي بوزارة العدل وعضو مجلس الشورى قد نشر في الوطن بتاريخ 8/12/1429هـ رأياً يؤيد ما سلف إذ يقول:من المعلوم أن عرفة منذ أن بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، لم يحدث أن جرفت السيول الحجاج في عرفة، فالإقامة فيها بضع ساعات من النهار، والمساحة شاسعة، وطبيعة الأرض تبتلع المياه، ولا يوجد أثر يدل على إمكانية تعرض الحجاج لكارثة السيول في ذلك المشعر، ويمكن تسوية أرضها بشكل إنسيابي إلى جهة الوادي والمنخفضات بتكلفة أقل بكثير مما قدر لمشروع تصريف السيول، في حين أننا نجد في عدة مدن من المملكة، على خطر من مداهمة السيول، أولى من حجاج لا يمكثون في هذا المشعر إلا بضع ساعات».

إنني أكتفي بهذا القدر من رأي الشيخ العبيكان إيماناً بتقدير المسؤولين للأهم والمهم وأعود لما بدأت به من أن عرفات ليست بحاجة إلى مشروع لتصريف السيول السطحية فمياه الأمطار من كرا وجبال الطائف تتجه تلقائياً إلى وادي عرنة غرب عرفة، كما أن أراضي عرفة تتشرب مياه الأمطار مهما كانت كثافتها بالإضافة إلى أن تنفيذ المشروع يحرم الحجيج من ظل ظليل ويتسبب في بؤر تتوالد فيها الأفاعي وتنتشر منها الأوبئة التي يتوالد بها الناموس والذباب الذي قد يولد حمى الضنك.. ويا أمان الخائفين.

نشر هذا المقال بجريدة عكاظ الاربعاء 9/2/1430هـ