الدعوة إلى نبش القبور

من غرائب الأستاذ عبدالله أبو السمح، التي لا تنتهي، وتتجدد يومًا بعد يوم، والتي بدأها بدعوة لمعاملة الموتى كأشياء قذرة، توضع في أكياس بلاستيكية، وتُكلّف شركات لدفن الموتى بالتخلّص منها في أقرب فرصة، ولم يرَ حاجة تدعو لقبول عزاء فيهم، يستكمل هذه الغرائب اليوم بدعوة جديدة لنبش القبور، فقد ارتقى في طرحه إلى بدعة جديدة، إعانة لمن نادى بتغيير مسمّى مقبرة (حواء)، ومنع الناس من دخولها، بأن تجرى على القبور دراسة بأجهزة كشف أشعة معتمدة للبحث كما يقول: في داخل الأرض لنعرف إن كان المدفون في الأرض بشرًا أو وهمًا، بل لا يرى مانعًا إذا دعت الضرورة إلى نبش القبور لمعرفة الحقيقة، وطبعًا لا يذكر ما هي الضرورة المزعومة، ولا الحقيقة التي يريد معرفتها، وتسأله: هل نبش القبور التي مضى عليها آلاف السنين سيكشف له عن حقيقة المدفون فيها؟
وهل هو من اشتهر أنه قد دفن فيها أم غيره؟ إنه لون تفكير لا يطرأ على ذهن أحد أبدًا إلاَّ إن كان من أصحاب الغرائب كالأستاذ عبدالله أبوالسمح، وإني لشديد الأسف أن يبلغ به الأمر إلى هذا المستوى، ولنفرض أن الزعم بأن أمنا حواء لم تُدفن في جدة صحيح، فما يضيرنا إن اعتقد الناس أن لها قبرًا في مدينتنا حتّى وإن زاره الناس كما يزورون سائر القبور؟ وهل لدى أحد معلومة صحيحة أنها لم تُدفن هنا؟ ودفنت في موضع آخر؟ أظن أن ذلك من أحد المستحيلات، لا يستطيع أخونا أبوالسمح ولا مَن كتب يناصره إثبات مثل هذا، والنفى المطلق لا يعني أن صاحبه يمتلك معلومة صحيحة، وهو سهل ميسور لكل أحد، ودعوى (أن آثارنا الإسلامية في بلاد الحرمين الشريفين يحيطها الزوّار والحجاج بالقداسة للتبرك بما يخالف عقيدة التوحيد الخاص، مؤدية إلى أشكال من الشرك الأصغر، وقد تتطور إلى ما هو أكبر) كما هي عبارة أخي عبدالله أبوالسمح دعوى تبريرية بامتياز يستخدمها مثله لهدم الآثار الإسلامية، خاصة منها ما تعلّق بسيرة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وإزالة ذاكرة الوطن التاريخية كلية، والجفاء من مثل هؤلاء المبررين لهدم الآثار ملحوظ لا يحتاج إلى تدليل، والشرك بيقين لن يعود إلى هذه الأرض المباركة أبدًا، أخبرنا بذلك خاتم النبيين، وإمام المرسلين سيدي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في أحاديث متعاضدة عدة، منها ما رواه البخاري في كتاب الجنائز في فصل الصلاة على الشهيد عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج يومًا فصلّى على أهل أُحد صلاته على الميّت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: “إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أُعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها”)، وهو الأمر الذي تحقق بحمد الله فلم يشرك أحد في هذه البلاد بعد أن أسلم، وأمّا التنافس على خزائن الأرض في هذه الدنيا فقد حدث، كما أخبرنا سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جازمًا أنه لن يجتمع في جزيرتنا العربية دينان حتى تقوم الساعة، وهي كذلك منذ أن آمن أهلها بالرسالة الإلهية الخاتمة، ولا ينازع في هذا أحد، وآثارنا الإسلامية -يا سادتي- ظلت على مرّ العصور موجودة محترمة، ولم يخشَ أحد أن تُعبد، بعد أن شعّت أنوار الهداية وحمل أهل هذه البلاد همّ نشرها في كل أصقاع الأرض، ولم يأمر أحد من حكام المسلمين وعلمائهم بهدمها أو إزالتها أو منع الناس من الوصول إليها، حتى مع تتبع الناس لها وزيارتها، وقد سبق إلى ذلك قبلهم أحد صحابة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو سيدنا عبدالله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-، ونستغرب اليوم أن يأتي مَن يطالب بتغيير مسمّيات مواقع أثرية تاريخية، أو يطلب تسويرها، ومنع الناس من الوصول إليها، وإزالة بعض الآثار؛ لأنها لم تثبت عنده، وبضاعته في هذا الباب قليلة، بل شديدة الفقر، فيناصره مثل الأستاذ عبدالله أبوالسمح ويزايد على ما طرحه، فينادي بنبش القبور، اليوم قبر أمنا حواء، وغدًا من يدري مَن هو التالي الذي سيطالب الأستاذ بنبش قبره من رموز تاريخنا الإسلامي المدفونين في هذه الأرض المباركة، ولعله يجهل أن الله -عز وجل- قد كرّم بني آدم أحياءً وأمواتًا، بل إن الأموات أشد حرمة، وإن هتك حرماتهم من كبائر الذنوب، التي لا يجرؤ عليها مَن آمن بالله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فهذا من المعلوم من الدِّين بالضرورة، ولكنا في زمان يعم فيه الجهل حتّى حمَلَة الشهادات، ولعل هذا الأمر ممّا لا تقبل فيه فتوى من أخي عبدالله أبوالسمح، وله من الفتاوى ما يثير العجب، ومَن أفتى اليوم ليرضيهم هم مَن لا يقبلون له فتوى أبدًا، فليته وفّر على نفسه مشقة الكتابة في هذا الموضوع الذي لا يعنيه، ولعلّها تجربة لا يعود لمثلها مستقبلاً، فذاك ما نرجوه، والله ولي التوفيق،
Alshareef_a2005@yahoo.com
ص ب 35485 جدة 21488 فاكس:6407043

نشر هذا المقال بجريدة المدينة الاثنين 22/1/1430هـ