رحيل صديق عنا
لم تمضِ سوى أيام قلائل على وفاة الزميل الأخ هاني فيروزي حتى تفاجأ بوفاة الصديق والأخ العزيز سامي أمين حمدي الذي لبى نداء ربه قبل أيام قلائل تاركاً الدنيا وما فيها بعد سنوات حافلة بالحب والخير والعطاء المقدر ، كان فيها نعم الأخ ونعم الزميل ونعم الصديق.
شريط الذكريات يمر بي وكأني أراه يمشي خلف جنازة والده في الجودرية وهو في الثانية عشرة من عمره وبجواره ابن أخيه حيث كنا نظنه شقيقه وهو رفيق دربه في طفولته وأثناء دراسته في مكة وفي القاهرة في المرحلة الجامعية الأخ الدكتور طلال فؤاد حمدي. لقد كان الدكتور سامي يعتني بمرضاه عناية فائقة بل يعتني بكل محبيه وأصدقائه وكنت احدهم يرافقني في كل خطوات الفحص والعلاج وينتابه الكثير من القلق على غيره إلا نفسه وهيهات لمن يستطيع أن يقنعه للذهاب إلى الطبيب لقد بذل ابنه المهندس أمين والسيدة الفاضلة أمه كل الجهود الممكنة لاقناعه بالذهاب إلى المستشفى اثر الحمى الشديدة التي انتابته لكنه رفض الذهاب إلى أن قيض الله له صديقه الدكتور سراج ميرة المعروف بإنسانيته العالية الذي زاره في منزله وأقنعه بضرورة الذهاب إلى المستشفى لتردي حالته الصحية وفي الطريق إلى المستشفى التي لا تبعد سوى مسافة 3 دقائق عن داره توقف قلبه وبعد الانعاش اللازم عاد نبضه بعد توقف لبضعة دقائق حيث توقف الأكسجين عن الدماغ فأحدث من الاضرار ما أحدث وكان الأمر سبباً لوفاته. أما ابنه الأكبر د. عمرو الذي يدرس دراسات عليا في الطب في كندا فقد وصل خلال 24 ساعة ، ومنذ أن رأى والده أحس أن فرصة حياته شبه معدومة (طبياً).
لقد وفق الله العزيز سامي والسيدة حرمه إلى إعداد ابنيهما عمرو وأمين خير اعداد فقد انجباهما وأحسنا تربيتهما ثم تزوجا فيما بعد وأنجبا وأصبح الاحفاد يحظون بنفس الرعاية التي لاقاهما الأبناء. لو كانت هناك جائزة للأب المثالي والأم المثالية كما هو متبع في بعض المجتمعات لتم ترشيح د. سامي يرحمه الله والسيدة حرمه لها ، وهذا الأمر يحثنا على التفكير الجاد للبحث عن الكيفية المثلى لتكريم الآباء والأمهات ، فمن يقدم الطبيب والمهندس والعالم والمعلم المميز والإداري الكفء وغيرها من المهن لابد وأن تكون لهم حظوة في المجتمع ، وبما أن مجتمعنا يعاني نقصاً حاداً في مهنة الطب والعلوم الطبية والتمريض فربما يتفق معي البعض أن هذه مقدمة على غيرها ، ولولا أن البعض قد يتهمني بالمغالاة لقلت حتى موت هؤلاء خسارة فادحة للمجتمع لا تضاهيها خسارة. إن من ينظر لأخي د. سامي يرحمه الله للوهلة الأولى قد لا يصدق من ملامح وجهه التي يبدو عليها الكثير من الجدية أقول لا يصدق ما تختزنه شخصيته من حب للآخرين وعطف فضلاً عن المرح والبساطة كما أن له تعليقات لاذعة وقدرة على الوصف المليء بالسخرية يتساوى فيه مع فناني الكاريكاتير ، وهو مولع بالنكتة إن لم يكن أحد صناعها قبل أن يداهمه المرض في سنواته الأخيرة. ولا نقول إلا وداعاً أيها الصديق ، رحمك الله رحمة الأبرار ومتعك بجناته جنات النعيم وبارك لك في خلفك. انتم من السابقين ونحن إن شاء الله من اللاحقين نسأله أن يجمعنا في جناته ، طبت حياً وميتاً.
نشر هذا المقال بجريدة الندوة يوم الخميس 18/01/1430هـ