خطأ الدعوة لإزالة الآثار

قرأت مؤخرًا تصريحًا لفضيلة الشيخ أحمد الغامدي رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعرت معه ألا تغيير في مواقف بعض إخواننا المتشددة من الآثار، التي لا تقوم على حجة صحيحة أو برهان، بل وأكد لدي أن بين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين بعض الجهات الحكومية الأخرى تداخلاً في الصلاحيات، وأنها تقوم بمهام لم ينص عليها نظامها، فللآثار جهة حكومية ترعاها منذ زمن طويل، وهي اليوم هيئة مستقلة يرأسها مَن لا يتسرب إلى الذهن الوهم أنه لا يلتفت إلى مخالفات شرعية واقعية تقع بسبب هذه الآثار، أما الموهومة فهي كثيرة لا يجب أن يلتفت إليها،

ففضيلة الشيخ -عفا الله عنه- شن هجومًا على آثار معلومة ذُكرت في تواريخ البلد الحرام، وورد ذكرها في نصوص شرعية صحيحة، وهي جبل ثور وغاره، وجبل النور وغاره (حراء)، وجبل الرحمة وصخراته، ومقبرة المعلاة ومَن فيها قد دفن من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبعض صحابته -رضوان الله عليهم-، ثم أعلام من أمته علماء وصالحين على مدى التاريخ، وقبر سيدتنا أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها-، ومقبرة أمنا حواء بجدة، ومساجد لها تاريخ مثل مسجد البيعة بمكة المكرمة ومسجد الرحمة بجدة، ثم موقع مولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقرب المسجد الحرام، وجل هذه المواضع لا يمكن إزالتها أو تدميرها أو حتى منع الناس من الوصول إليها تحت ذريعة هذا الأسلوب المتبع عند بعض إخواننا ممّن يظنون أنه بهدم كل أثر إسلامي في هذه البقعة المباركة يخدمون الدِّين، عن طريق الزعم بأن بعض الحجاج عندها يقومون بممارسات شركية، ورغم اقتناعنا أن هذا لا يحدث إلاّ أننا نقول إن الجاهل يمكن توجيه نظره إلى الحق بالموعظة الحسنة ودون أن تهدم هذه الاثار، دعونا نقولها صريحة فقد هدمت وأُزيلت كثير من الآثار في بلادنا تحت هذه الذريعة ممّن لم يوكل إليه أمرها، حتى لم يبقَ منها إلاَّ النادر القليل، وها هو فضيلة الشيخ ينادي بإزالة بعضها ومنع الناس من الوصول إلى البعض الآخر منها، ولا أدري لماذا يستمر هذا النحو من التفكير، والأمم من حولنا تحيي موات آثارها وتعتز بتاريخها، ومنا مَن تواتيه جرأة غير محمودة للمناداة بهدم كل أثر إسلامي في بلادنا، بحجة أن الناس سيبتدعون عنده، أو يأتون بممارسات شركية، وأنه لمن المفارقات العجيبة أن تبقى لنا آثار شاهدة على حضارتنا الإسلامية في الغرب كإسبانيا مثلاً، وفي الشرق في الهند والصين وأقاصي آسيا، وتُزال من بلادنا آثارنا الإسلامية بزعم متهافت، وأن مَن يدعو لذلك يظن أنه لم يستطع أن يخلي البلاد ممّا يزعمه من الممارسات الشركية بعد كل هذا الوقت الذي مضى عليه عقود ثمانية، فلا أظنه قادرًا عليه اليوم، وبلادنا بفضل الله عمّها التعليم ولم يعد بها من هو جاهل إلاَّ النادر القليل، والحقيقة أن تصريح فضيلة الشيخ أعاد إلى الأذهان ما نادينا به من قبل ولا نزال وهو أن يُعاد النظر في نظام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تحدد صلاحياتها، بحيث لا تتداخل مع صلاحيات الجهات الأخرى، مثل وزارة الثقافة والإعلام، ووزارة الداخلية ممثلة في أجهزة الشرطة، وكذلك هيئة السياحة العليا المنوط بها العناية بالآثار والتنقيب

عنها، ولابد لنا من أن نقول إن هذه الجهات الأخرى يعمل بها من رجال العلم والدِّين مَن يوثق بهم، ولا يمكن التشكيك في نواياهم، وفي هذا خير للهيئة والعاملين فيها، وللمجتمع في هذا الوطن، وإننا لننتظر من فضيلة الشيخ وأمثاله أن يتفهموا ما نوجه من نقد للهيئة، فنحن إنما نبدي وجهة نظر نعتقد صحتها، ونرجو منهم أن يتدبروها علّهم يجدون فيها ما يحقق المصلحة. فهل هم فاعلون؟ هو ما نرجوه، والله ولي التوفيق.
ص.ب 35485 جدة 21488
فاكس: 6407053

نشر هذا المقال بجردية المدينة الجُمْعَة ١٣ محرّم ١٤٣٠ هـ