في رثاء إعلامي شامل !
لا يوجد أحد من أبناء جيلي يمكن أن يطلق عليه لقب إعلامي شامل ويكون مستحقا له تماما مثل الراحل العزيز هاني فيروزي –رحمه الله-، وأنطلق من شهادتي هذه بالعودة إلى الوراء نحو خمسين عاما عندما كنت زميلا «لأبي ماجد» في الخالدية الابتدائية بالعاصمة المقدسة وكان معنا في الفصل نفسه «سادسة ب» معالي الدكتور سهيل قاضي وكانت الدراسة والعمل يشملان يوم الخميس والعطلة يوم الجمعة فقط وكانت تصدر في يوم الخميس من كل أسبوع جريدة رياضية أنشأها كل من الأساتذة محمد مليباري وزاهد قدسي –رحمهما الله- وفؤاد عنقاوي، وتباع بربع ريال فكان «هاني» قادرا على شراء تلك الجريدة مع أن ثمنها باهظ بمقياس تلك الأيام لأن التلاميذ الآخرين – وأنا منهم – لا يستلمون إلا قرشا واحدا مصروفا للمدرسة والقرش كاف، لأن التعامل مع «الحجات» بائعات البليلة والحلوى والبسكويت كان «بالهللات»، وكان شراء الفيروزي لتلك الصحيفة محل غبطة زملائه ودلالة على أنه كانت لديه موهبة القراءة والصحافة والثقافة وهو لم يزل في سن غضة، ثم فرقتنا الأعوام لأراه بعد ذلك صحفيا في جريدة الندوة يغطي بالصورة والكلمة حوادث سيل الأربعاء الذي اجتاح مكة المكرمة ووصل ارتفاعه إلى نصف بناء الكعبة عام 1388هـ، وهو في العشرين من عمره تقريبا، ولكن تعلق هاني بالصحافة لم يجعله يعمل فيها منتسبا إليها بل ظل يتعامل معها هاويا حتى آخر قطرة من عمره قبل أن يلقى أخيرا وجه ربه.
أما الذي جعلني أصف «هاني» بأنه إعلامي شامل فذلك عائد إلى أنه خاض في مراحل حياته عباب فنون إعلامية وثقافية عديدة فقد كان صحفيا ميدانيا وكاتبا صحفيا وكاتبا غنائيا وزجالا ومؤرخا فنيا وعاما ومعد ومقدم برامج إذاعية في مجالات الثقافة والفن والمجتمع، ومشاركا فعالا في النشاط الثقافي في نادي الوحدة وفي جمعية الثقافة والفنون وكانت له علاقات واسعة بنجوم الثقافة والفن في المملكة والخليج والعالم العربي وكم نزل بعضهم في ضيافته الشخصية وجمعنا بهم في داره، وقد كتب الفيروزي للطفولة قصصا وأناشيد حتى عدته وزارة الثقافة والإعلام من الرواد فكرمته عام 1428هـ. وأختتم هذه السطور بالإشارة إلى أن الفيروزي هو أول كاتب غنائي أعرفه كتب أنشودة طفولية «للأب» جسد فيها ما يعانيه رب الأسرة لكي يسعد أسرته ويوفر لها لقمة العيش وقد أنشدها طفل بريء فقال:
بابا.. يا بابا يا أجمل كلمة نطقها لساني
تتعب وتسهر وبرضو دا علشاني
رحم الله أبا ماجد هاني الفيروزي. «إنا لله وإنا إليه راجعون»..
المصدر : الخميس 11/01/1430هـ