«نثر القلم في تاريخ مكتبة الحرم »

حديث الكتب - أحمد صالح حلبي

حينما قررت الابتعاد عن الكتابة الأسبوعية بجريدة مكة الورقية، وصحيفة مكة الاليكترونية، كان هدفي هو العودة لأرفف مكتبتي المتواضعة، والتجول بين محتوياتها؛ للاستمتاع بالقراءة الحرة لما تحمله من متعة ومعرفة وفوائد على الصحة العقلية والقدرات الذهنية.

فكانت وقفتي  أمام كتاب “نثر القلم في تاريخ مكتبة الحرم” لمؤلفه الدكتور محمد بن عبدالله باجودة، الصادر عن مكتبة الملك فهد الوطنية، في طبعتين أولى وثانية، وجاري الآن - كما علمت - إصدار طبعة ثالثة .

واشار  المؤلف إلى أن “مكتبة الحرم المكي الشريف إحدى أهم المكتبات في العالم حيث تقع بمكة المكرمة قبلة المسلمين وهوى افئدتهم التي تضم بين جنباتها نتاج أفكار جهابذة العلم، فقد كثر السؤال عن تاريخ هذه المكتبة.. “، وهذه المقولة تؤكد على أن مكتبة الحرم من أقدم وأرقى المكتبات على مستوى العالم، وتذخر محتوياتها بأمهات الكتب والمخطوطات.

وجاء الكتاب في أربعة فصول تناول فيها: مكة المكرمة: نشأتها وذكرها في القرآن الكريم، وتعريف المكتبة، في القاموس المحيط ولسان العرب، والحديث عن تاريخ المكتبات، متحدثاً عن المكتبات في مكة المكرمة والمدينة المنورة، موضحاً أن مكة المكرمة كانت “غاصة بالكتب إلا أن عوادي الزمن المتوالية أدت إلى خلو دور الكتب من بعض النفائس سواء كانت تلك العوادي طبيعية كالسيول أو من فعل فاعل كالإهمال أو السرقة، مما أدى إلى تبدد غالب ما كان فيها من أمهات الكتب”، موضحاً أن “مكتبة الحرم المكي الشريف أحد أهم المكتبات الموجودة في شبه الجزيرة العربية”، وتعود نشأتها للقرن الثاني الهجري 160 هـ. 

وتحدث المؤلف عن مكتبة الحرم المكي الشريف: نشأتها وإطلاق اسمها ونماذج من الوقفيات عليها، مبيناً أن “تأسيس المكتبة مرتبط بمجالس الفتيا والذكر التي كان الصحابة رضوان الله عليهم يعقدونها بالمسجد الحرام”.  

وتحدث عن اسم مكتبة الحرم المكي الشريف، قائلاً: “من خلال تتبع ما دونه مؤرخو مكة المكرمة عن تاريخ مكتبة الحرم المكي الشريف لم أجد اسماً خاصاً بمكتبة الحرم المكي الشريف طوال الفترات التاريخية السابقة، وقد تركزت غالبية الأسماء ما بين (بيت المحفوظات) و (خزائن الكتب).

وتطرق للحديث عن (الوقفيات على مكتبة الحرم المكي الشريف)، مشيراً إلى “أمر ملك اليمن نور الدين بن صلاح الدين الرسولي عام 594 هـ بإنشاء رباط بمكة أوقف فيه كتباً منها المجمل لأبن فارس، والاستيعاب لأبن عبدالبر، ثم غدا هذا الرباط مع الأيام حافلاً بالكتب وما يزال يعرف برباط الحضارمة”.

وفي حديثه عن (تاريخ تطور المكتبة) يوضح  أن  بداية تطور المكتبة جاء في عهد الدولة السعودية، ويقول: “كانت المكتبة في بداية أمرها تنهج نهجاً تقليدياً في جل نشاطاتها، ورغبة من القائمين على أمر المكتبة في أن تواكب المكتبة التطورات التي شهدتها وصيفاتها، فقد رفعت مديرية المعارف العامة إلى المقام السامي اقتراحاً بتأسيس مجلس إدارة المكتبة العامة وقد أحيل الاقتراح المذكور إلى مجلس الشورى لدراسته فبحث من قبل المجلس وتمت الموافقة عليه”، ونشر ذلك في جريدة أم القرى بعددها رقم 696 الصادر يوم الجمعة 8 صفر 1357 هــ، وتكونت لجنة ضمت “السادة المشايخ: إبراهيم فطاني، أحمد السباعي، أمين عقيل، حسن مشاط، طاهر كردي، درويش كاتب، عبدالسلام كامل، عبدالقادر حسن الياس، عبدالله فدا، عبدالوهاب الدهلوي، علوي شطا”.

أما فيما يتعلق بــ (مصادر محتويات مكتبة الحرم) فبين أن “نواة المكتبة الأولى كانت من المصاحف والربعات التي حفظت في القبتين (العباسية والمحفوظات)، وأماكن أخرى في الحرم المكي الشريف، وبمرور الزمن نمت مقتنيات المكتبة”.

وخصص الفصل الثالث للحديث عن عهود ازدهار المكتبة ومن تعاقب عليها، مشيراً إلى أن عام 1357 هــ يمثل “بداية ازدهار المكتبة وذلك عندما أطلق عليها جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله اسم “مكتبة الحرم المكي الشريف”، وأمر رحمه الله بتشكيل لجنة من علماء مكة المكرمة لدراسة أوضاعها وتنظيمها بما يتفق ومكانتها، وقد كانت المكتبة في السابق تعتمد على الإهداءات لزيادة مجموعاتها، وفي العام نفسه رصد مبلغ لشراء بعض الكتب التي تحتاجها المكتبة”.

كما تناول أمناء المكتبة ومديروها، كما تحدث عن أقسام المكتبة ونفائسها وروادها، وبين أن قسم المخطوطات يعد “نوع من الكتب التي كانت تكتب خط اليد لعدم وجود الطباعة وقت تأليفها”، وفي هذا القسم أبرز الاهتمام بالمحافظة على المخطوطات الموجودة في المكتبة، ومراحل ترميم المخطوطات .

وتناول الدكتور محمد باجودة الحديث عن نفائس المكتبة، من المخطوطات النادرة ومن أبرزها “الغيلانيات للبزار (346 ـ 440 هــ)، ومسند الموطأ للغافقي المتوفي عام 381 هــ، ومجمع البحرين في زوائد المعجبين لابن الهيثمي، المتوفي عام 807 هــ، وغيرها من المخطوطات النادرة.  

وخلاصة القول فإن كتاب “نثر القلم في تاريخ مكة الحرم”، وهو أحد إصدارات مكتبة الملك فهد الوطنية، يمثل مرجعاً تاريخياً هاماً لتاريخ مكتبة الحرم المكي الشريف، باعتبارها من أقدم المكتبات في المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية، ومقتنياتها تضم أكثر من خمسة الاف مخطوطة أصلية، واكثر من ثمانمائة مجلد من الصحف، وأكثر من سبعين ألف شريط، وأكثر من خمسة الاف فيلم ميكروفلمي،  وأكثر من أربعين مكتبة خاصة.

المصدر : مجلة اليمامة 1 / 4 / 2021 م |
أحمد صالح حلبي