وعن الرواس يستمر الكلام

وعن الرواس يستمر الكلام
—————
ودعنا أمس السبت 12 شعبان، 4 مارس، صديقنا العزيز في مقابر المعلاة بحضور أقاربه وزملاء العمل الإعلامي والأصدقاء، واستمعت ونحن نوارى العزيز إلى بعض الأحاديث والقصص الخاطفة من بعض الحضور في المقابر، ثم تابعت ما نُشر عبر وسائل التواصل وشعرت بصدق ما كُتب عن العزيز الغالي إذ لم تكن عبارات مُجاملة وردود عادية، فقد وجدت في كل رد موقفاً وقصة وذكرى، كلمات صادقة طبيعية عرفت ذلك من سياق الرأي.

أنا لدي مخزون من المواقف والذكريات والقصص لا يمكن أن أكتبها لأنها مخزون نصف قرن من اللقاءات والتواصل والخلافات التي لا تستمر وتعود العلاقة، لأن الأيام والمواقف أكبر من الخلافات العابرة ولأن السنوات وثقت عُرى العلاقة وبقيت المُحصلة التي طغت على أي خلاف عابر كان خلفه مواقف الحياة. هنا أكشف بعض سيرة عبدالله رواس وأكثرها لا يعلمها إلا القليل من معارفه بداية من مناداته لأشقائه الأكبر بـ"سيدي" حسن وسيدي محمد علي وشقيقي جميل، متذكراً شقيقه الأكبر الذي رحل ذاكراً لصفاته، وشهدت بره بوالدته رحمها الله وعنايته بها، والدور الكبير الذي قام به في العناية بأبناء أشقائه وشقيقاته، وكُنت شاهد عصر ومن سنوات طويلة وقفت خلالها على اهتمام وعناية وحرص كبير منطلقه القلب الطيب الذي يحمله عبدالله والعاطفة الجياشة ودائماً ما يذكر لنا أبناء اخوانه واخواته، وشقيقته الوفية التي تصدت للعناية به في أواخر سنواته في دارها رافضة إقامته في أي مصحة أو مكان إلا ما يحتاجه العلاج ليعود لبيتها، حتى غادر ورغم ظروف مرضه إلا أن شقيقته اعتبرت الأمر من أهم واجباتها ودائماً ما كان يُحدثني عنها، وشهدتُ اهتمامه بأفراد أسرته وبعضم كانوا ضمن طلابنا قبل أكثر من ربع قرن، ووجدته يسأل عنهم وعن مستواهم الدراسي وتجده عالماً بتفاصيل أفراد الأسرة يحمل همهم ويتألم لهم.

عبدالله صاحب القلب الطيب، وفي مع أصدقائه في مناسباتهم، صاحب اليد العليا دائماً، عزيز نفس ونظيف اليد والسيرة، علمت فترة إشرافه على برنامج الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، أنه كان يقوم بنقله بسيارته الخاصة من مكة للتلفزيون في جدة ويعيده إلى مكة، وكان الشيخ -كما نقل لي عبدالله- متحرجاً من هذا الأمر إلا أن عبدالله رغم معاناته كان يُظهر للشيخ سروره وسعادته.
 
الأحاديث والذكريات والقصص لا تنتهي مع الرواس وتحتاج لمقالات، فحياته حافلة بسيرة عمرها تجاوز العقود الثمانية، فهو الحريص على أداء الواجبات الشرعية ويحث عليها وتجده في مجالات مختلفة ليست الإعلام، بل الأدب والفن وسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وتاريخ الأدب والصحافة في بلادنا وأرشيف للفنون الشعبية التي وثق أكثرها عبر برامج تلفزيونية، تحمل ذاكرته الكثير الكثير، ولا يمكن إلا أن تجده مُلماً بأكثر المعلومات ويتحدث فيها ويذكر لك مراجعها وتصنيفها، وهو صاحب اسلوب جميل في الكتابة، أتحدث من مُعايشة طويلة وقفت خلالها على أكثر سيرة الرواس.

اعذرني صديقي العزيز، أعرف أن هناك الكثير الكثير من الصفحات الناصعة. أسأل الله أن يجعل ما قدمته من خير شافعاً لك ومعاناتك من ما أصابك كفارة، وفضل من رب كريم. جمعنا الله بكم في مستقر رحمته.

خالد الحسيني
شعبان 1444هـ
مارس 2023م