ما نأمله في تسميات شوارع مكة..
في رسالة واتس أب انتشرت في المجموعات المكية كتب أحدهم انتقاداً لاذعاً لمسميات بعض الأحياء والشوارع في مكة المكرمة مطالباً جهة عليا بضرورة تغييرها.. وإن كنت أتفق معه بضرورة أن تكون المسميات بما يتلاءم مع قدسية مكة وهويتها العربية والإسلامية إلا أنني أختلف معه في نبرة العنصرية التي يحملها لبعض المسميات مثل: (ريع بخش – والطندباوي – وبئر بليلة – وريع كحل ...) وهي مسميات ضاربة في عمق التاريخ ومحفوظة في الذاكرة الجمعية ولو تم تغييرها ستختلط جغرافية المنطقة في أذهان الناس.. كما أن نقده لمسميات بعض الشوارع بأسماء الأمناء الذين تعاقبوا على أمانة مكة مثل شارع عبد الله عريف، وشارع عمر قاضي، وشارع عبد القادر كوشك...
فهؤلاء لم تُسمّ الشوارع بأسمائهم الا بعد رحيلهم ولم يكن ذلك الا وفاءً لما قدموه لمكة من جهود جبارة غيرت ملامحها وارتقت بإنسانها فعبد الله عريف على سبيل المثال عمل أميناً لمدة 18 عاماً وكانت فترة عمله مرحلة فارقة في تطوير مكة المكرمة وتحديث شوارعها وشق الأنفاق وإقامة الجسور .. وهكذا بقية الأمناء.. وهذا النهج في تسمية الشوارع بأسماء مواطنين قدموا خدمات جليلة لمدنهم موجود في جميع أنحاء المملكة ومنها على سبيل المثال جدة؛ فهناك شارع أحمد زيدان وشارع نصيف، وشارع محمد دياب.. ذلك الصحفي الذي كتب عن جدة وكان يحلم بأن تصبح أرقى المدن..
نعم هذا ديدن قيادتنا الحكيمة في تكريم أبنائها الذين عملوا بجد وإخلاص ولم تطغَ عليهم الإثرة في تسمية الشوارع بأسمائهم. وهناك لجنة خاصة من الخبراء في كل مدينة تحدد المسميات وتعود للأصول التاريخية والجغرافية والاجتماعية؛ فقصر السقاف في مكة كما جاء في (الوكيبديا) «إنه يعود لأحد أبناء محمد بن عمر السقاف وقد اشتراه ب(2500 ريال فرنسي) وكانت أسرة السقاف من الأسر الثرية التي تمتلك ثروة ضخمة ..
ثم اشترى الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى عدداً منها..»، إذن المسمى جاء لوجود مصادر تاريخية موثقة!! نحن لسنا ضد تغيير المسميات التي ليس لها أصل.. فما استحدثته الأمانة سابقاً من تسمية بعض الشوارع بأسماء الفواكه مثل شارع التفاح.. وشارع البرتقال.. وعدم وجود أصل في هذه التسميات..!!، وكذلك تسمية شوارع في الرصيفة بشارع الأصول، وشارع الروعة، وشارع الألفة..!!. في الدول المتقدمة تستغل أسماء الرموز الوطنية والتاريخية في تسميات الشوارع..
ونحن تاريخنا المكي زاخر بأسماء الصحابة في صدر الإسلام وهناك مواقع كثيرة في كل شبر من مكة ممكن تسمية اسم صحابي أو صحابية أو من التابعين من خلفاء الدولة الأموية والعباسية.. وقد علمنا بوجود لجنة لإعادة تقييم أسماء الشوارع في مكة تتألف من المؤرخين الأفاضل: د. عبد الوهاب أبو سليمان، ود. معراج مرزا، ود. عدنان الحارثي ونتمنى إشراك مؤرخات أيضاً مثل سعادة د . أميرة مداح، وسعادة د. آمنة جلال، وسعادة د. لمياء شافعي.. وغيرهن لنرى أسماء شوارع لسيدات مكيات في التاريخ الاسلامي ففي كتاب (مناهل العلم بالبلد الحرام وأعلام المكيات في العصر المملوكي) كتب المؤرخ د. فوزي الساعاتي عن 189 سيدة مكية في ذلك العصر وكيف تلقين العلوم في حلقات المسجد الحرام وحصلن على إجازات من العلماء بل منهن من منحن إجازات لرجال في علوم القرآن والحديث والفقه، وحتماً هناك الكثير من المكيات عبر العصور التاريخية.. في الأدب والشعر والثقافة..
نعم لا نطمس التاريخ ولكن نجعل الرموز التاريخية الإسلامية والثقافية مسميات لشوارعنا لتكون القدوة التي تلهمنا بعظمتها.. وأما نبرة العنصرية من البعض والتي تؤدي إلى تفتيت وحدة المجتمع فهي مرفوضة تماماً ومخالفة لما تسعى إليه القيادة السعودية من التلاحم الوطني والتعايش بما يسهم في حماية النسيج المجتمعي.
نقلا عن صحيفة المدينة