فليثبت الاسم وليصمد العنوان ....

طالعتنا الاخبار في اليومين الماضيين حول زيادة عدد أحياء مكة المكرمة ، وفي الخبر انه جرى إطلاق مسميات "شعب عامر ، حارة الباب ، الهجلة ، القشاشية ، الفلق ، الصفوة ، الشبيكة ، الشامية ، السوق الصغير ، الجودرية " على مخططات ولي العهد الواقعة جنوب مكة المكرمة بعد ان كانت تسمى بالأرقام كما جرى تغيير مسميات أحياء "القرارة وشعب عامر والنقا" إلى حي "رؤى الحرم" .. انتهى المقصود من الخبر ..

قلت : بعد مطالعتي الخبر واعمال الفكر سجلت بعض نقاط -من وجهة نظري- حيث ارى خطأ تسمية الاحياء المستحدثة بالأسماء العتيقة للأحياء المكية ، وقد يكون من المستحسن النظر في هذه النقاط عند تقرير مصير  اسماء الأحياء المكية المُزالة ..
-- أن الأحياء والمواقع المكية لها صلة قوية ومباشرة بالتاريخ والسيرة النبوية الشريفة ونقل أسماءها لأحياء ومواقع مستحدثة مما يحدث إشكالا ولبسا لبعض المعاصرين فكيف بالأجيال القادمة !!
-- تسمية الأحياء الجديدة بالأسماء القديمة ينسخ ويلغي سجلا تاريخيا عاشه الأسلاف وبنيت عليه الذكريات وحفظت ..
-- تعظيم مكة واعطاؤها مكانتها يشمل كل ما فيها وما عليها ، وهو يشمل المحسوس والمشاهد كما يشمل المعنوي فهو امتداد لتعظيم هذه البلدة المحرمة والأرض المقدسة ، ومن تعظيم مكة حسا ومعنى حفظ أسماء أحيائها ومواقعها التاريخية المشتهرة على ماكانت عليه من أماكن وعدم نقلها لمواضع مستحدثة ..
-- تكرار هذا الفعل مع كل حي يدخل في منظومة تطوير أو توسعة أو نحو ذلك مما ينتج لدينا بعد حين أسماء مشتركة لمواقع مختلفة في بلدة واحدة وينشأ معه لغط الأجيال واختلاط الفهم ..
-- الأحياء المستحدثة بعضها من الحرم وبعضها الآخر في الحل ، وكم يحز في النفس ، ويؤلم القلب أن تنتقل الأسماء من الحرم إلى الحل ، وهذا باب تراعى فيه المعاني ، وتجبر فيه الخواطر ، وتلاحظ فيه المآلات ..
-- أسماء الأحياء المكية التاريخية تمثل هوية ، وتتمثل زمن ، وتعبر عن معنى ، وتتحدث عن أصالة ، وتخبر عن وجود ..
أما وقد زال المكان ، ورحل الإنسان ، فليثبت الاسم وليصمد العنوان ..
-- جوابا لسؤال مقدر أن في تسمية الاحياء المستحدثة بالأسماء العتيقة حفظ لها من النسيان وهو من تخليدها في الذاكرة أقول : هذا كلام حسن ولكنه -كما اسلفت- ربما يصح في أي بلد ، أمًا مكة المكرمة فلها ذاكرتها وتاريخها وتوثيقها فلا تقلق ..
-- وقد يستشكل آخر في تغيير مسميات لمواضع تأريخية مشهورة معلومة بمكة المكرمة فكان ماذا ؟!
والجواب ان هذا الاشكال غير وارد في بحثنا ..
اولا : تغيير الاسم كان من باب التبديل للاسم الأحسن أو الألصق مثل جبل الرحمة بعرفات وحي أم الجود ومؤخرا حي الزهور ..
ثانيا : أنه تبديل لاسم المكان ذاته لسبب وليس نقلا له لموقع آخر
ثالثا : فيما يتعلق بالموقع التارخي فإن المكان استقر واشتهر مثل جبل إلال أو قرين أو الرحمة فكلها وثقتها كتب التأريخ على موقع محدد ولم يحصل لبس أو اختلاف حول المكان ..
-- لعل من الأنسب والأجمل معرفة تاريخ موقع الأحياء الحديثة وتسميتها بما يمت إليها بصلة بدلا من نقل أسماء الاحياء القديمة اليها ..
ومما يذكر هنا فيشكر ما قام به الدكتور الشريف محمد الحارثي بدراسة علمية عن منطقة الشرايع فلعله يستفاد منها في تسمية مخططات الشرايع ..

ختاما .. كانت هذه خواطر سريعة جالت بالخاطر تداخلت معانيها سجلتها على ما وقع في الذهن دون ترتيب  وهي قابلة بل خاضعة لتصويب الأفاضل وأهل الاختصاص وأختم بما ذكره الدكتور المفضال / فايز جمال في تغريدة له معلقا فيه على الخبر قال حفظه الله :" اجتهاد في غير محله إذ لا يصح اطلاق أسماء أحياء تاريخية في قلب مكة المكرمة على مخططات جديدة تبعد عن قلب مكة بعشرات الكيلومترات ..الكتب التاريخية تزخر بأسماء أحيائها العريقة .. واطلاقها على احياء جديدة قد يضلل الأجيال القادمة" ..

وكتب
محمد كريم بخش
مكة المكرمة
١٤٤٢/٤/١٩