«محبس الجن».. متى يتغير الاسم يا أمانة العاصمة المقدسة؟
محبس: اسم مكان من حبس، أضيف إلى الجن. ويطلق هذا الاسم اليوم على الشعب المقابل لشعب أجياد السد، أي أجياد الصغير من الشرق، ويربط بينهما نفق، سمي أيضا نفق محبس الجن
وعند خروجك من النفق، متجها للعزيزية، تحف بك الجبال، من اليمين، والشمال، وينتهي الشعب بشارع العزيزية العام المسمى (طريق المسجد الحرام). ويعد هذا المكان، جزءا من حي العزيزية.
لكن من أين جاء هذا الاسم العجيب؟
باستنطاق كتب التاريخ، تخبرنا أن بئرا كانت بفم الشعب تسمى بئر زبيدة، منسوبة إلى زبيدة زوج هارون الرشيد، الخليفة العباسي؛ لأنها جلبت الماء من عين في وادي نعمان عبر قنوات محكمة، أوصلتها إلى عرفات، ثم مزدلفة، وأرادت أن توصلها إلى مكة، وترفد بها العين الأولى التي جلبتها إلى مكة، وهي عين حنين، لكنها عندما وصلت إلى فم الشعب المذكور سابقا صادف العمال أرضا صخرية صلبة، من حجر الصوان، يصعب قطعها، فاضطروا لإيقاف العمل، وحفروا بئرا عميقة لتصريف مياه العين إليها.
وبعد مئات السنين وفي أزمة من أزمات نقص المياه الشديدة في مكة، وتحديدا عام 969هـ، أمر السلطان سليمان العثماني بفحص العيون وقنواتها، وتحديد المطلوب لمعالجة الأمر، وكانت عين نعمان آنذاك غزيرة المياه، وقنواتها ظاهرة إلى ماكان يسمى حوض البقر (العزيزية حاليا)، ولكنها بعد عين زبيدة لا أثر لها؛ فظن المكلفون بالمهمة، أن قناة العين من البئر إلى مكة مبنية ولكنها مختفية تحت الأرض، وتحتاج إلى تنظيف وترميم فقط، لكنهم اكتشفوا، عند مباشرة العمل، أن لا وجود لتلك القناة المتوهمة، وأنها توقفت عند تلك البئر اضطرارا.
لم يجد المكلفون بالأمر أمامهم، إلا مواصلة العمل الشاق المضني؛ لشق تلك الصخور الصلدة، ولم يتمكنوا من إنجاز مهمتهم، إلا بعد عشر سنوات تقريبا؛ فقد وصل الماء إلى مكة في 979/11/20هـ، وفرح أهل مكة بوصول الماء، فرحا لا يوصف.
وكانت البئر التي توقفت عندها قناة زبيدة عظيمة مطوية بأحجار كبيرة جدا... وهي من الأبنية المهولة مما يتوهم أنها من بناء الجن.
ويبدو أن انبهار أهل مكة، بضخامة أحجار البئر، وإحكام بنائها، وشدة عمقها، وما استغرقه العمل في شق الصخرة المجاورة لها، من وقت طويل، وجهد عظيم، وأموال طائلة، جعل بعضهم، يحيك حكاية عجيبة، ملخصها: أن القائم على المشروع، خليفة محمود الكيلاني، رأى أحد العمال يخرج مصروعا، صامتا، ثم بعد فترة، تكلم على لسان الجن الساكنين بالموضع، مبينا أنهم لن يسمحوا لهم بالمرور، من أرضهم، حتى يعطوهم حقهم؛ وهو أن يزف إليهم ثور مزين، من داخل مكة، حتى يصل إليهم، ويذبح ويطرح لهم دمه، وأطرافه، ورأسه في بئر عبد الصمد؛ فوافق خليفة على ذلك؛ فأفاق العامل، وقام سليما معافى، وذهب خليفة لبيته، وعند ذهابه لصلاة الصبح، في المسجد، جاءه رجل غريب، وأخبره أنه رأى في المنام، أن أهل مكة يزفون ثورا ...الخ.
فأخبر خليفة كبراء أهل مكة، بالحادثة والرؤيا؛ فاستجابوا، ونفذوا طلب الجن؛ فجاءهم رجل، ودلهم على موضع يحفرون فيه، ففعلوا؛ فتدفق الماء، من قناة واسعة، منقورة في الصخر.
ولن أطيل الوقوف هنا؛ لبيان تهافت القصة، وعدم إمكانية حدوثها، فهو ظاهر للعيان، لكنني لا بد أن أقف مندهشا لتسمية الناس للبئر ببئر الجن، أو محبس الجن، بناء على حكاية لا أساس لها، وقصة خرافية!.
وما يدهشني أكثر من ذلك، وأشد، وأعظم؛ هو كيف نسمي موضعا في بلد التوحيد، ومهبط الوحي، بناء على قصة تنضح بالشرك بالله ؟!! فالذبح لغير الله شرك كبير، وإثم عظيم. وإن قبل بذلك عوام الناس، فكيف يقبل به الخاصة؟!
والحق أن الاسم أوشك أن يمحى، من ذاكرة المكيين؛ لكن أمانة العاصمة المقدسة أحيته ورسخته، عندما أطلقته على النفق الذي يفضي إليه من أجياد. وبناء على ما تقدم أرى أنه يتحتم تغيير اسم هذا الموضع، في أقرب وقت، والبدائل كثيرة ولن أخوض فيها الآن .
نقلا من صحيفة مكة