سيماهم في وجوههم في وفاة الشيخ سعيد مكاوي
سيماهم في وجوههم
في وفاة الشيخ سعيد مكاوي
——————————
بقلم الدكتور مجدي باسلوم
خادم العلم الشريف بمكة المكرمة
——————————
يقول المازني بعد أن بلغ الخمسين في كتابه "قصة حياة": ( وطال تفكيري بالموت، وخامرني خاطره، فهو لا يفارقني في يقظة أو منام، وما غمضت عيني ليلة إلا وأكبر ظني أن أفقد نفسي فلا أعود إلى الشعور بها ). لقد خامر هاجس الموت "المازني" حتى أرّقه، إلا أنه روّض نفسه على القبول به والإيمان الكامل بمقتضى أن الرضا بالموت خير من الجزع منه، والإيمان به خير من التوهم بقدرة صده أو تأجيل قدره المحتوم.
أيها القارئ .. لقد نال الموت من الأحياء حتى ما أبقى صديقًا لصديق ولا والدًا لأبنائه، لم يوقر الموت شيخًا كبيرًا ولم يرحم طفلًا صغيرًا، أفزع البشر وأدمى عيونهم وأبكى قلوبهم، خاصة بعد جائحة "كورونا" التي أخذت بأرواح الكثيرين ممن نعرفهم، أسأل الله أن يرفع الوباء ويكشف السوء والضراء.
وبالأمس قد أخذ الموت منا صديقًا قديرًا، ورجلاً وقوراً، وشيخًا صالحًا، هو الأستاذ "سعيد مكاوي" فانتقل به إلى رحمة الله ورضوانه، وأوصله بإذنه سبحانه إلى فسيح جنانه، فانطفأت بوفاته شمعة مضيئة في المجتمع، لكن الله أسأل أن يُلحقه بالصالحين، ويرزقه شفاعة سيد المرسلين.
لقد تحدث الكثيرون عن صفات "سعيد مكاوي" التي تمتع بها، والتي كانت في الحقيقة جزءا أصيلا من صميم تربيته الأسرية، التي عُرفت في المجتمع بالأخلاق الحميدة والخصال الرشيدة، ومن صميم شخصيته المكتسَبة من خلال ارتباطه بجيل امتد عبقه وفاح عطره، هو جيلُ الشرفاء، جيل الأنقياء.
لقد كان لوجود "الشيخ سعيد مكاوي" في المنتديات والمجالس أثر إنساني ملموس، وبشكل مختصر، فهو كما جاء في قوله تعالى "سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ"، كان يكفي لـ "سعيد مكاوي" أن يبتسم، حتى تتكشّف بثوان طيب الروح والمحيّا، وصدق الذات والنيّة، عاش حياته بهدي أخلاق الدين والسماحة والمحبة، والحكمة والرضا والموعظة الحسنة.
سعيد مكاوي .. لم يكن فقط صديقا شخصيّا لي أو لوالدي أو للمكيين، بل أستاذ وأديب ووقور، يليق به وبأدبه ووقاره واجب التحية والعرفان، ولأسرته الكريمة خالص التعازي وأصدق الدعوات بأن يجبر الله كسرهم ويهون مصابهم في عميدهم، وبالذكر أخصّ منهم الأخ الأستاذ: حسن مكاوي، الذي قام باحترافيته ومهنيته بأعمال جليلة من خلال المنبر الإعلامي والصرح التاريخي الذي أنشأه "موقع قبلة الدنيا" والذي سوف يبقى خالدًا للأجيال القادمة، جعل الله ما يقوم به في موازين حسناته.
وإن أردت أن أتعجّب فليس العجب من شيخ كريم ترجّل عن حياة فانية، فقد كان يحادثني عبر الهاتف قبل أسبوع من وفاته حديث المودّع، وهذا حال من صلح مع الله حاله، فحسُن مستقره ومآله ..
طُوبَى لِمَنْ خَتَمَ الْحَيَاةَ عَلَى التُّقَى ... وَلَنِعْمَ سَعْيُ الْمُؤْمِنِ الصَّبَّارِ
وَاللَّهُ يَرْحَمُ صَاحِبًا وَدَّعْتُه ... مَا كَانَ لَيْلٌ أَوْ غَدَاةُ نَهَارِ
وإنما العجب كل العجب من استغراق الأحياء في الشهوات، وانغماسهم في التنافس والملذات رغم أن الأيام حُبلى وقطار الموت ماض .. وللموت جلال أيها الأحياء ..
رحم الله والدنا الأستاذ سعيد مكاوي رحمة الأبرار، وأسكنه مع المصطفين الأخيار، {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}.
انتهى