حرف تقليدية اندثرت بمكة!

في فترة الحجر المنزلي وجدت أن الفرصة مناسبة للقراءة الحرة، والخروج عن روتين الحياة اليومية المعتادة، وجاء كتاب «الحرف التقليدية في مكة المكرمة في العهد السعودي 1343 ــ 1426هـ / 1924 ــ 2005م» لمؤلفته الدكتورة جهان بنت إبراهيم شار علي عبدالرحيم، كواحد من الكتب التي أوقفتني أمام صور من الماضي القريب ترسخت بالذهن، لكنها غابت عن العين، لكونه يؤرخ «للحرف التقليدية والحرفيين في مكة المكرمة إبان العهد السعودي، بدءا من عهد الملك المؤسس عبدالعزيز - طيب الله ثراه - عندما دخلت الحجاز ضمن حكم الدولة السعودية، وأعقب ذلك النهضة الحديثة التي عرفتها المملكة العربية السعودية في عهد أبنائه الملوك من بعده إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله»، وبعض هذه الحرف عرفتها عن قرب وعرفت من كانوا يقومون بها - يرحمهم الله.

وفي مقدمتها تحدثت المؤلفة عن أسباب إخراج هذا الكتاب بقولها «إن أكثر ما شجعني على كتابة هذا البحث هو كتاب وهيب كابلي: الحرفيون في مدينة جدة في القرن الرابع عشر الهجري»، وهو ما أثار غيرتي على قبلة المسلمين مكة المكرمة، وإني شعرت أن من واجبي أن أظهر تاريخ الحرفيين فيها، ومشكلاتهم والسبل العلمية لحل هذه المشكلات.

وإن أوضحت الباحثة هدفها بأنه «إعادة تأهيل بعض هذه الحرف، وتطويرها بما يتناسب مع روح العصر الحديث وتطوراته العلمية والمادية، وتوجيه الشباب للعمل في هذه الحرف التي تسهم في ازدهار الاقتصاد الوطني»، فإنها بهذا زادتني إصرارا على مواصلة قراءة محتويات الكتاب، فوجدت أن هناك مهنا اندثرت، ومنها «النوارة»، وهي حرفة اندثرت ولم يعد لها وجود، ومن أعمالها كما تقول الباحثة «عمل (الطبطاب) أي بلاط الأرض للغرف»، غير أن الطبطاب ومعلموه اندثروا بعد أن ظهر البلاط ثم الموكيت فالسيراميك أخيرا.

ولم تكن «النوارة» وحدها الحرفة المندثرة التي أشارت إليها الباحثة، فقد تناولت في حديثها «الحجارون» وهو « لقب يطلق على من يقوم بأعمال التكسير والتفتيت في الجبال والصخور، وتهيئتها على أشكال قريبة من شكل الطوب»، وكذلك «القطانون أو المنجدون ـ وهناك من يطلق عليهم: الندافون، وهم من أصحاب الحرف الشعبية القديمة - بأنهم الأشخاص الذين يتخذون من مهنة فرز القطن حرفة لهم»، ولحق بهم «اللبانة» وهو اسم أطلق «على الذين يصنعون منتجات الألبان المختلفة من لبن وحليب وقشطة وجبن وغيرها من حليب البقر والماعز»، وتناولت «الدباغون» الذين لم يعد لهم وجود يذكر بعد أن دخلت الميكنة لأعمالهم، وغاب ممارسو العمل عن مهنتهم.

وأحسنت الباحثة في إشارتها إلى «إمكانية استفادة الجامعات والكليات التقنية من هذه الدراسة لفتح مجالات واسعة في تطوير وتوظيف هذه الحرف»، وهي إشارة نرى أن الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، عملت عليها منذ سنوات عدة، فكانت خطوتها العملية متمثلة في إعداد وتأهيل الشباب للعمل في مجال التطريز والحياكة داخل مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة، بعد تأهيلهم عبر برنامج «بارع» المنفذ بالتعاون مع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني.

هذا التعاون يدعونا لمطالبة المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني كجهة تعمل على تنظيم العمل وتحسينه وتدريب الكوادر الوطنية الشابة للعمل على مواصلة برنامج «بارع» مع جهات أخرى، والاستفادة من دراسة الدكتورة جهان في حصر الحرف التقليدية المندثرة، والعمل على إعداد وتأهيل الشباب للانخراط فيها.

ودعوة وزارة السياحة أيضا للعمل على استقطاب الخبرات العلمية كالدكتورة جهان لإعداد برامج تبرز الحرف التقليدية أمام السياح، خاصة الأجانب منهم.

نقلا عن صحيفة مكة