يمكن القول بأن جائحة كورونا بكل سلبياتها وضحاياه، فإنها حملت بين جنباتها بعض النتائج الإيجابية على الفرد والمجتمع، وإن كانت قد ألزمتنا بالمكوث داخل منازلنا، فإنها منحتنا الفرصة لإعادة ترتيب أوراقنا الداخلية، والاستفادة من الوسائل التقنية وتوظيفها بما يخدم الفرد والمجتمع.
والمتبع لأنشطة وفعاليات موقع قبلة الدنيا الإليكتروني، يرى أنه عمل على توظيف خبراته لخدمة متابعيه عبر مركاز قبلة الدنيا الافتراضي، الذي أطلقه ليكون واحدًا من الفعاليات الثقافية التي برزت بنجاح خلال فترة الحجر، فاستضاف نخبة علمية وثقافية منحتنا من علمها ما كان غائبًا عنا .
فكان اللقاء الأول مع السيد حسن محمد شعيب للحديث عن فكرة كتابة المصحف الشريف بخط اليد، متحدثًا عن ولادة الفكرة وتنفيذها والصعوبات التي واجهها؛ لتحقيق حلمه في كتابة المصحف الشريف بخط يده بالخط العثماني.
أما اللقاء الثاني فكان مع الدكتور فائز صالح جمال للحديث عن مشروع أرشفة جريدة حراء التي أسست عام 1376، وجريدة الندوة التي أسست عام 1378 هــ، وكلاهما صدرتا بمكة المكرمة، فبين الدكتور فائز أن بداية فكرته جاءت بعد وفاة والده عام 1411 هــ، وأن الهدف من الأرشفة ما تحمله الصحيفتان من كنوز عن تاريخ مكة المكرمة والحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بها.
وتطرق الدكتور فائز إلى المراحل التي وضعها للأرشفة بحيث تكون المرحلة الأولى العمل على نقل الأعداد من النظام الورقي إلى الإليكتروني. فيما تتضمن المرحلة الثانية التبويب والفهرسة برقم العدد والعناوين؛ ليكون استخراج المعلومة أسهل للمستفيد.
وجاءت الدكتورة رزان عرقسوس كضيفة ثالثة بالمركاز متحدثة عن "التحليل الغرافيكي لرسومات المسجد الحرام"، وقبل التطرق للحديث عما تناولته الدكتور رزان، فإني أتوقف قليلًا لجملة أشارت إليها متمثلة في الصعوبات التي واجهتها للدراسة في إيطاليا، فرغم أنها كانت مبتعثة من قبل الدولة، إلا أن هناك من طالبها بعدم الدراسة بإيطاليا لأن جل الطلبة السعوديين يبتعثون لأوروبا وأمريكا وأن اللغة الثانية المتداولة هي الإنجليزية أما الإيطالية فلا وجود لها.
وصعوبة الدكتور رزان ذكرتني بتلك الصعوبة التي واجهت الدكتور عبدالحليم رضوي ـ يرحمه الله ـ المولود في مكة المكرمة عام 1939م، خريج المدرسة العزيزية، والذي درس في أكاديمية الفنون الجميلة في العاصمة الإيطالية روما.
وفي بحثها الذي قُسّم إلى ثمانية فصول تبدأ الدكتورة رزان بنبذة تاريخية في الفصل الأول عن بناء وتوسعة المسجد الحرام من بداية بناء النبي إبراهيم عليه السلام للكعبة وحتى القرن التاسع عشر الميلادي مع شرح التوسعات التي جرت على المسجد الحرام؛ لمقارنة المعلومات التاريخية بما هو مرسوم في الرسومات.
وفي الفصل الثاني استعراض للعشرين رسمة المختارة لهذا البحث مع عرض عام للمعلومات التاريخية المذكورة عنها والمصادر التي أُخذت منها الصور.
أما الفصل الثالث فيشرح المواد التي صُنعت منها الأوساط التي رُسم عليها وهي مقسمة إلى قطعة من حجر المرمر وأربعة ألواح من البورسلين وخمس عشرة ورقة سواء مخطوطة أو مقواة، بالإضافة إلى تحليل الألوان المستخدمة في الصبغ اللوني للرسومات.
وحللت الباحثة في الفصل الرابع الزخارف المستخدمة في رسم عدد من الرسومات المختارة في البحث سواء استخدمت هذه الزخارف في العناصر المعمارية أو في عناصر أخرى زُخرفت بها اللوحة لتجميلها.
ويبدأ التحليل الغرافيكي للرسومات في الفصل الخامس الذي أخذ يحلل كل عنصر من عناصر المسجد الحرام على حدى ابتداءً من الكعبة وانتهاءً بالمسعى في طريقتين تحليليتين إحداها تزامنية والأخرى لا تزامنية. تهتم الكاتبة في هذا الفصل بمقارنة العناصر المرسومة في الرسومات بواقعها من خلال رسومات ثلاثية الأبعاد نُفذت من قبل م. أحمد الحرازي وذلك لتحليل اللغة السيميائية المستخدمة من قبل الرسامين بتصنيف عناصرهم إلى رموز أو أيقونات أو إشارات حسب تقسيم العالم شارل ساندز بيرس للعلامات (1839-1914م).
ويجيب الفصل السادس عن أسئلة مهمة جدًّا في حقل رؤية وتمثيل العمارة: كيف يرى الفنان المسلم العمارة وبالأخص المسجد الحرام؟ لماذا جميع الرسومات باختلاف تاريخها يتجه شمالها نحو اليمين؟ لماذا يتجه الفنانون الشرقيون إلى التسطيح في رسومات المخطوطات وكيف تُمثل العمارة من خلال التسطيح؟.
فيما يحلل الفصل السابع بعض الرسومات هندسيًّا، ويقترح طريقة بناء الرسام لهذه الرسومات وكيفية تخطيط الصفحة وبناء هيكلها. أما الفصل الثامن والأخير فيتوسع في دراسة المآذن في العالم الإسلامي، وكذلك المآذن المرسومة في الرسومات المختارة لهذا البحث.
وقبل الختام أقول إن كان التعليم الإلكتروني يعتبر من وسائل التي تدعيم العملية التعليمية، وتحولها من نظام التلقين التقليدي إلى نظام الإبداع الفكري والتفاعل السريع؛ فإن موقع قبلة الدنيا الإليكتروني واكب هذا التحول بطرح ثقافي مميز، استخدم فيه أسلوب التواصل التقني، ومنح متابعيه الفرصة للاستفادة من الحجر المنزلي بما يعود عليهم بالنفع والفائدة.
وأملنا أن يواصل الموقع فعالياته باستضافة شخصيات مكية مميزة تتناول الحديث عن مكة المكرمة، وتاريخها الثقافي والأدبي، والاجتماعي.
نقلا عن صحيفة مكة الالكترونية