الجالية البرماوية بمكة.. التاريخ والمصير
في المواقف الصعبة تظهر معادن الناس فهناك معدن يرتبط بالمصالح وينهزم في المواقف وآخر نفيس وغالي في الثبات على العدل والحق..
وكورونا يكشف لنا كل يوم مزايا الدولة السعودية التي أصبحت الأنموذج العالمي الذي حقق العدالة والانسانية ففي الوقت الذي تخلت فيه الدول المتشدقة بحقوق الانسان عن العلاج لأي أجنبي فيها أعطت الدولة السعودية حق العلاج للمواطن والمقيم وحتى مخالفي الإقامة.. هذا الإجراء أثنت عليه منظمة الصحة العالمية لأنه أحد أهم الاجراءات في الحد من تفشي الجائحة.
ولكن في نفس الوقت وجدنا من بعض الغوغائيين تنمراً اجتماعي ضد الجالية البرماوية بمكة... لمشكلات متنوعة وأهمها العشوائية الاجتماعية... ولكن لأمانة الكلمة والتاريخ والإنسانية لابد من توضيح بعض الامور: هذه الجالية جاءت للمملكة وأعطوا حق اللجوء منذ عهد الملك عبدالعزيز - طيب االله ثراه- وبتأشيرة مقيم جاور للعبادة.. وهم من الفارين بدينهم من النار والحديد من حكومتهم الكافرة. والهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام واجبة ولنا في رسول االله أسوة حسنة حينما هاجر من مكة إلى المدينة فاراً من ظلم كفار قريش لإعطائه حق العيش بسلام ، ولكنه عاد بعد فتح مكة حينما جاءه نصر االله والفتح ليقيم دولة الاسلام الخالدة .
كما إن هذه الجالية في مكة قد صحح أوضاعها مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة عام 1434هـ في مشروع بناء الإنسان وتنمية المكان، وكان هناك حفل ومؤتمر صحفي لسموه الكريم وقال «إن هذا المشروع لا يوازيه مشروع آخر في العالم.. لمعالجة أوضاع اخواننا البرماويين الذين تشرفنا باستضافتهم».. هذا الأمير القدوة الذي يثبت كل يوم إنه جدير بإمارة مكة بلد االله الحرام..
وحقيقة فقد كنت أزور تلك العشوائيات من خلال الاشراف التربوي ومشيت في أزقتها للوصول لمدارسهم.. مما يعني أن هناك إشراف مباشر على هذه الجالية من كافة قطاعات الدولة ومنها التعليم.. وبالمناسبة فمنهم أساتذة حصلوا على الدكتوراه وأعطوا الجنسية السعودية.. وهناك طالبات مبدعات في كتابة الشعر والأدب والقصة وأخريات فنانات تشكيليات وهناك خطاطون في الخط العربي الإسلامي.. بل في الحقيقة انهم عنصر أساسي كعمالة في مكة المكرمة في مهن لا يقبل عليها الشباب السعودي كالحدادة والنجارة والسباكة بل إن موسم الحج ونصب الخيام والاشراف على المستودعات ونقل الأمتعة وغيرها من الأمور من صميم أعمالهم... وهم أكبر عون لهيئة تطوير مكة في إزالة العشوائيات..
وإن كانت هناك سلوكيات منحرفة من البعض -وهي موجودة في جميع المجتمعات- خاصة التي ينتشر فيها الفقر والجهل، فهؤلاء يطبق عليهم الشرع والقانون.. والدولة متيقظة لكل حركة وسكنة لهم.. والآن مع الحجر الصحي وفي برنامج (براً بمكة) تقدم لهم الجمعيات الخيرية السلال الغذائية تحت إشراف امارة منطقة مكة المكرمة، والشرطة، وأمانة العاصمة المقدسة.
ومع هذا كله لابد أن نعترف أن هناك أخطاء في معالجة قضايا الوافدين سواء البرماوية أو الجالية الافريقية في مكة واستمرت في تراكمها لسنوات وشكلت سلبيات في النظام البيئي الحضري.. فمن يمدهم بالكهرباء والماء؟! وأين مراقبة الأسواق ومشكلات الصرف الصحي؟! وغيرها..
أظن أنه آن الأوان لإيجاد مدينة حضرية خاصة بهم تقوم بها وزارة الإسكان بالتعاون مع القطاع الخاص، حتى لا تظهر عشوائيات أخرى جديدة وتؤجر عليهم بأسعار تتناسب مع إمكاناتهم.. خاصة بعد أن أوضح سماحة مفتي المملكة بجواز إخراج الزكاة لمستفيدي منصة (جود الاسكان) التي تشرف عليها مؤسسة الاسكان التنموي الأهلية، ووجود مشروع لجنة لدراسة أوضاع سكن العمالة بهدف فك تكدس العمال وهؤلاء من الممكن أن يكونوا ضمن خطة اللجنة في تحسين أوضاع سكنهم..
أما أولئك الذين يتحدثون بنبرة عنصرية بغيضة فنذكرهم بقول الرسول الكريم: «كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه».
نقلا عن جريدة المدينة