مفهوم الاستطاعة في الحج

أحسنت وزارة الحج صنعا حين خصصت ندوتها الكبرى لحج هذا العام، لموضوع «الاستطاعة .. مفهومها وضوابطها وآثارها في ضوء المقاصد الشرعية والواقع المعاصر»، وأحسنت كذلك إذ دعت لهذه الندوة نخبة كريمة من علماء هذا البلد الأمين، وعددا من شيوخ الفقه، وعلماء الأمة، وأساتذة الجامعات، من مختلف ديار المسلمين.

وقد ألقى معالي وزير الحج الدكتور فؤاد بن عبد السلام الفارسي، في خطابه الافتتاحي للمؤتمر، الضوء على أهمية مفهوم الاستطاعة في الحج، ودوره في توعية جماهير المسلمين وترشيد أداء هذه الفريضة الكبرى، التي أوجبها المولى عز وجل على «من استطاع إليه سبيلا».
وفي عشر جلسات علمية، ومحاضرتين رئيسيتين، استمرت طوال ثلاثة أيام في مكة المكرمة، وتضمنت عددا كبيرا من البحوث العلمية والمداخلات الفقهية، تناول العلماء الأجلاء مفهوم الاستطاعة، من كافة جوانبها، المالية، والبدنية، والاجتماعية، والطبية، والمكانية، والزمانية، وتأثر الفتوى بازدحام المشاعر وتزايد عدد الحجاج والنوازل المستجدة، وعلاقة كل ذلك بالمقاصد الشرعية والواقع المعاصر، وضيق المكان في منى ومزدلفة وتوفر الأمن، كما تناولت البحوث أحكام أداء الحج نفلاً، في ضوء تزايد أعداد المسلمين في كل أنحاء العالم.

* * *
ذلك كله جهد مبارك، أحوج ما تكون الأمة اليه في هذه الأيام، وتظل الخطوة الأهم أن يلتزم المسلمون في شتى أنحاء الأرض بمفهوم الاستطاعة، وهي قضية بالغة التعقيد، ينبغي أن تعمل على حلها والتشاور بشأنها، الحكومات الإسلامية، خاصة التي يأتي من ربوعها أكبر أعداد الحجيج والمعتمرين كل عام.

ولو التزم المسلمون بمفهوم الاستطاعة، المالي، والبدني، والاجتماعي، الذي أفاض فيه الفقهاء من جميع المذاهب، ولو أدركوا أن مفهوم الاستطاعة يتسع ليشمل ضرورة توفر «المكان الكافي»، بمعنى أن تؤخذ محدودية المساحة لمكة المكرمة والمشاعر في الحسبان، حتى لا يزدحم المكان بأضعاف طاقته الاستيعابية، ويتراكم الحجاج والمعتمرون بعضهم فوق بعض، وما ينتج عن ذلك من أذى وضيق ومعاناة، تحول دون أداء المناسك على الوجه الأكمل، ويدفع ثمنها الجميع، لو تم كل ذلك لما رأينا في مكة المكرمة والمشاعر، عشرات الألوف من الحجاج الذين يفتقرون لأبسط شروط الاستطاعة، ولا يتوجب عليهم الحج بأي حال فضلا عن العمرة.

* * *
ولابد أن نشير صراحة، الى أن حجاج «عدم الاستطاعة» يشكلون مع الأسف الجزء الأكبر من حجاج الخارج، وأنهم يتسببون وحدهم في معظم مشكلات الحجيج، بدءا من التزاحم المؤذي والافتراش والتخلف، وانعدام النظاقة والسرقات والتسول، والتسبب في الحرائق، والضغط الهائل على الخدمات، والمرافق العامة، والبنية التحتية، الى غير ذلك من المشكلات.