عندما نفقدُ الكُرماء ! "في رحيل الشيخ عبدالرحمن رجب"

عندما نفقدُ الكُرماء !
"في رحيل الشيخ عبدالرحمن رجب"

بقلم الشيخ د. مجدي باسلوم
خادم العلم الشريف بمكة المكرمة


بينما تتسارع الأحداث في حاضرنا وتستغرق مشاهد ليست من صنع البشر، فلا نكاد نمسي أو نصبح إلا وقد حملت لنا الأخبار فقد صديق وموت عزيز، فتحزن قلوبنا وتحنّ، وترق أفئدتنا وتئنّ، إلا أن رحيلهم إعلانٌ كبيرٌ بأن قطار العمر ماض، والأيام حُبلى والقدر محتوم، وأن للموتِ جلال، وللفقد لوْعة وللقبر هيبة.

لقد فقدت أم القرى نفسًا كريمة طيبة، رحلت إلى بارئها زكية نقية، هي روح الشيخ الصديق الوفيّ عبدالرحمن مصطفى رجب، والذي تأبى الكلمات حزنًا على رحيله إلا أن تتفرق، والحروف لوعة على فراقه إلا أن تتبعثر، لكني -والحزن يملؤني- أحاول فقط أن أرسم ملامح لهذا الشخص الكريم؛ فالكرام يعسر رثائهم ويصعب نعتهم؛ فالكلمات أمامهم تحار وتتلعثم، والمفردات في محاسنهم تغار من بعضها وتتلطّم، رحمه الله مع الأبرار، وأسكنه في الجنة مع الأخيار.

لقد ترك "رجب" محبين كثر شيعوه إلى مثواه الأخير في مقبرة المعلا في مشهد مهيب، كلهم سيشتاقون إلى يد بيضاء عليا امتدت للجميع بالبذل والكرم، سيشتاق إليه الأصدقاء، وسيفقد عطائه البسطاء، ستشتاق إليه طرقات صلاة الفجر، وسيفقد ابتسامته جلسائه في المساء والعصر.  

وعندما كان "الشيخ عبدالرحمن رجب" وجيهًا من وجهاء المجتمع لم يبخل بجاهه بذلًا وصلحًا وخيرًا ونفعًا، مجلسه بأضيافه عامر، يكرم الوافد والزائر، نفسُه جُبلت على الخير فأكرمْ بها نفسًا، ويده ممدودة للمحتاج فأنعم بها يداً، رجلُ بر ووفاء، وشهامة وعطاء، وعزٍّ وسخاء، ترك فقده فراغًا في ساحات الكرماء، وخلّف نعيه حزنًا في ميادين الأسخياء.
 
لقد جمعتني بالشيخ عبدالرحمن رجب صداقة ومودة، فأكنَّ لي الكثير من الصدق والاحترام الوفير، وبادلته ذات مشاعر الودّ والتقدير، فعندما اشتد عليه المرض في أيامه الأخيرة ومُنعت عنه الزيارة أخبرني أن الزيارة مفتوحة لي على الدوام وقال لي متفضلا: " يا دكتور .. مثلك لا يُردّ "، فلقد كان -رحمه الله- يتقرب إلى الله بإحسانه لأهل العلم والقرآن، ويتلطف إليهم في العبارة والكلام، وينزلهم في أحسن منزل ومقام، وإني إذ عرفت عنه الكثير من أعمال الخير والبر لأرجو أن يكون ذلك سببًا له لبلوغ درجات رفيعة في دار الكرامات ومستقر الرحمات.

فإن لن نلتقي في الأرض يومًا ... وفرق بيننا كأسُ المنونِ
فموعدنا غداً في دار خلدٍ ... بها يحيا الحنونُ مع الحنوِنِ  

 لقد أثارت فاجعة رحيله غصة في الحلق، وانحسارا لمدد الرفقة الجميلة، وانطفاء لومضة نبل إنساني، واستحضر رحيله في ذهني قولًا خالدًا لمصطفى صادق الرافعي، وهو: ( اعمل عملك يا صاحبي، فإن لم تزد شيئا في الدنيا كنت أنت زائدا عليها، وإن لم تدعها أحسن مما وجدتها فما وجدتها وما وجدتك )، وإذا اجتمع في المرء النبل وحب الخير وكرامة النفس والوقوف عند الحق فقد ترك "رجب" الدنيا أحسن مما وجدها، وفي هذا عزاء لنا.. بل ولمكة المكرمة.. وأيّ عزاء!

اللهم قد أقبل عليك عبدك عبدالرحمن رجب ضيفًا، اللهم وكما أكرم ضيوفه والحجاج والمعتمرين فأكرم اللهم وفادته عليك، ولا تخزه يوم العرض عليك، وبارك الله في عقبه الكرام، وإنا لله وإنا إليه راجعون.