قطار الحرمين.. بين الحلم والكابوس

تعتبر القطارات من أرقى وسائل النقل، سواء تلك المُعلَّقة أو التي تسير تحت الأرض (المترو)، والتي تنقل الملايين من المسافرين في العالم؛ في أمريكا واليابان وسنغافورة.. ولعل أقرب مثال لنا شبكة القطارات في أوربا التي تربط كافة أجزاء القارة العجوز منذ القرن التاسع عشر؛ فهي أكبر دليل على أهمية تلك الوسيلة، حيث حققت قفزات اقتصادية عالية لدول أوربا لاستثمارها في السياحة ونقل البضائع.. وغيره.

ولم نلبث –بحمد الله- أن وصلنا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- إلى مصاف تلك الأمم المتقدمة حضارةً وفكراً وثقافة... وحسب رؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان 2030م، بالاعتماد على العمق العربي الإسلامي، وأن نكون قوة استثمارية رائدة، ومحور ربط القارات الثلاث، ولم يكن ذلك ممكناً إلا أن تكون منظومة النقل على مستوى عالٍ من البنى التحتية الأساسية؛ لربط القارات وخدمة 100 مليون سائح، وحاج، ومعتمر، وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة عن طريق منظومة النقل.

وحقيقةً، فإن مشروع قطار الحرمين الذي وُلِد أصلاً مُتعثِّراً، حيث أُقر بدايةً كمشروع قطاع خاص.. ثم تحوَّل عام 1436هـ إلى مشروع حكومي؛ ربما لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه من تعثُّر.. وفعلاً أصبح الحلم حقيقة حينما انطلق القطار في 1 صفر 1440هـ.. وكم كانت مشاعر الوطن عارمة بالفخر والاعتزاز؛ بأن يُصبح لدينا أسرع قطار في الشرق الأوسط، ويخدم 60 مليون حاج ومعتمر، وقد كلَّف الدولة 63 مليار ريال.. ولكن لم نلبث أن نستفق في يومٍ على كابوس مفزع وحريق قضى على محطة السليمانية بالكامل، وحوَّل صرحاً حضارياً إلى كومة من الخردة.. وحطام تفطر قلب كل سعودي غيور عليه..!!

المشكلة أن أحد مسؤولي شركة سكك الحديد في لقاء تلفزيوني على قناة العربية قلَّل من شأن الحادث؛ وأنه حادث عرضي، وأن الأمور ستكون بخير..!! كما أن معالي وزير النقل الدكتور نبيل العمودي رئيس مجلس إدارة الشركة السعودية للخطوط الحديدية «سار» أكَّد -حسب صحيفة المدينة 4/2/1441هـ- بأن القطار سيُعاود تقديم خدماته خلال 30 يوماً من محطة المطار الجديد، وفي خبر آخر نشر لاحقاً: «باشرت إحدى الشركات المتخصصة في أعمال إنشاء مسار بديل (مؤقت) خارج المحطة المحترقة في السليمانية بجدة، والتي تجري بشكل متسارع»، بل أفاد خبر آخر بانتهاء التحقيقات في المرحلة الأولى.

وهنا لابد من وقفة متأنية حازمة؛ فهل المهم الإسراع في تنفيذ مسار جديد؛ دون التأكد من أن المحطات الأخرى في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، ومحطة مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، ومحطة مطار الملك عبدالعزيز تتوفَّر فيها وسائل الأمن والسلامة، وهل هي بمواصفات عالمية؟، وهل تتوفر فيها أنظمة الاستشعار والإنذار؛ والرش التلقائي في المحطات؟، وهل هناك غُرف للمراقبة وفرق للإطفاء مُدربة لمكافحة الحريق فور حدوثه؟.

لقد تحوَّل الحريق في جدة الى غيوم سوداء كثيفة، وأضرار بالبيئة، واختناقات لمَن لديهم ربو.. فكيف نبدأ بمسارٍ جديد دون التأكد من سلامة المحطات الأخرى؟، فلا مغامرة بالأرواح مطلقاً، وخاصة إذا كان بينهم زائرون، أو معتمرون، عندها ستكون مشكلة لا يمكن احتواؤها.

وقد علمنا أن هناك ست جهات أساسية تقوم بالتحقيق.. لكن ما نتمناه أن تكون التحقيقات شفافة؛ فتظهر الحقائق على الملأ، فلا مجال للتستر على الفساد للمنجزات الوطنية؛ وكما أفاد معالي رئيس هيئة مكافحة الفساد (مازن الكهموس) بأن ولي العهد وجّهه توجيهاً شديد اللهجة بالقضاء على الفساد، وأن يطال العقاب الرؤوس المتوسطة، والصغيرة، كما يطال الرؤوس الكبيرة، وتبقى الغصة والألم والحسرة على أحد أهم مكتسباتنا الحضارية الوطنية.

نقلا عن المدينة 1443/2/19هـ