أدباء في رحاب بيت الله!!
جاء عن الأديب الإنجليزي ت.س.إليوت: (انطلقوا أيها الرحالة فأنتم لستم نفس الأشخاص عند بدء الرحلة)، للدلالة على أهمية الرحلات. الكثير من الأدباء وثَّقوا المواقف التي صادفتهم أثناء أدائهم لرحلة الحج. فلم تكن شيئاً عابراً في ذاكرتهم، لعظم فائدتها العلمية، فضلاً عن ارتباطها بالأماكن المقدسة، لذلك أودعوا في ذاكرة الناس ما خطُّوه عن هذه الرحلة المقدسة. وتنوعت كتاباتهم ما بين التوثيق للرحلة وما بين الكتابة عن معالم الحجاز وعاداته وأهله وعلمائه. ومن أبرز الأدباء، الذين دوَّنوا رحلاتهم للحج، الأديب الكبير مؤسس مجلة الرسالة المصرية العريقة أحمد حسن الزيات في مقال بعنوان «في أرض الحجاز»، قال فيه: «إن في كل بقعة من أرض الحجاز أثراً للتضحية ورمزاً للبطولة، فالحج إليها إيحاء بالعزة وحفز إلى السمو».
الأديب المصري عباس محمود العقاد وثَّق هو الآخر رحلته للحج التي قام بها في عام 1946م بمجموعة من المقالات وصف في إحداها تجربته في الصعود الى «غار حراء» في قمة الجبل الذي شهد نزول (اقرأ). وبدوره عبَّر الأديب المصري الدكتور محمد حسين هيكل في رحلته للحج عام 1936م، عن رؤيته للكعبة في كتابه (في منزل الوحي)، الذي اشتمل على معانٍ إيمانية لم تكن معهودةً في كتاباته من قبل، قال فيه: «تبدَّت لي الكعبة قائمة وسط المسجد فشُدَ إليها بصري وطفر قلبي ولم يجد عنها منصرفاً، ولقد شعرت لمرآها بهزة تملأ كل وجودي وتحركت قدماي نحوها بكل خشوع ورهبة»، والطريف أن رحلته الى الحج كانت بعد توفيق الله سبباً في تبدل حياته للأفضل وكانت بنصيحة من صديقه المسلم المجري (عبد الكريم جرمتنوس).
الأديب اللبناني شكيب أرسلان صدر له كتاب عام 1931م بعنوان «الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج الى أقدس مطاف»، بعد عامين من قيامه بالحج وقد جاء مفعماً بالإحساس المرهف، ورحلته تعد من أهم رحلات الحج؛ نظراً لأنه مؤرخ مشهود له بالنزاهة والدقة، وفي رحلته بيَّن الخدمات التي تقدمها المملكة العربية السعودية بقيادة الملك عبد العزيز رحمه الله في ذلك الوقت، حيث أكد أن المملكة لم تدخر جهداً في تأمين سبل الأمن والراحة للحجاج، كما انتقد كلاً من تركيا وسلطات الاحتلال؛ لما يفرضونه من قيود شديدة على الحجيج.
الأديب والروائي المصري إبراهيم عبد القادر المازني حج عام 1930م وسجل خواطره الأدبية عن تلك الرحلة المليئة بالمواقف الطريفة في كتاب بعنوان «رحلة الحجاز».
ومن طرائف كتب رحلات الحج ما ذكره الرحالة الهندي -رسول مهر-في رحلة حجه 1348هـ بعنوان:(يوميات رحلة في الحجاز)، فيها تعجب من انتشار ركوب الحمير في الحج؛ ومن كثرتها التي تعود لانخفاض أجرتها مقارنةً بالجمال؛ وهو الأمر الذي يراه أهل الهند عملاً غير جيد.
أما أشهر رحلات الحج، فكانت في كتاب «مرآة الحرمين» للواء إبراهيم رفعت، أمير الحج المصري عام 1901م، وثق الكاتب فيه أحداث الرحلة بمجموعة ضخمة من الصور النادرة.
جاء بقلم أحد الكتاب الفرنسيين في القرن الثامن عشر الميلادي القول:» إن الرحلات تشكل أكثر المدارس تثقيفاً للإنسان».
نقلا عن صحيفة المدينة