خَــشَــب يا حَـاج

موسم الحج يطرح الكثير من الموضوعات التي تستحق المناقشة ؛ ولكن محدودية المساحة الزمنية للمناسبة ؛ وضيق الظرف المكاني أَمَـرَ بإيجاز القول في أربعٍ منها:
*الأولى : ربط تصريح حُـجاج الداخل من المواطنين والمقيمين بالانضمام لإحدى شركات الحج الخاصة يهدف إلى تحقيق إيجابيات كثيرة من أبرزها ضبط الأمور ، ومنع تكرار الحج ، والقضاء على ظاهرة الافتراش ؛ ولكن بعض رجال المال حوّل المسألة إلى تجارة ذات ربحية عالية سريعة معدومة المخاطر ؛ ومعه أصبح الحج مستحيلاً على ذوي الدخل المحدود فضلاً عن المفقود ؛ قد يقول بعضهم : بعَـجْـز أولئك ، وعدم قدرتهم المالية يسقط التكليف ( فالحج لمن استطاع إليه سبيلاً ) ولهم نقول : نعم ؛ ولكن ذاك سبيل الله تعالى ، وليس سبيلاً صنعه جشع وطمع بعضهم ؛ والدولة هي الأم الرحيم التي لم تتخذ يوماً الحج وسيلة للاستثمار ؛ بل رصدت وأنـفـقت المليارات من ميزانيتها لـتحسين المشاعر وتطويرها ؛ بحثاً عن خدمة ضيوف الرحمن وراحتهم؛ لذا فإن الأمل معقود بإنشاء شركة حكومية أو مساهمة بإشراف حكومي هدفها الأساس تحقيق الجودة الشاملة في خدمة الحجاج ، بسعر التكلفة فقط ؛ فأمور العبادات يجب أن تبتعد عنها الخصخصة ؛ وأيدي قبائل التجار ( أما من يريد حج فئة سبع نجوم فعليهم بالطيران الشراعي بين المشاعر ) !!!
* الثانية : ترك تعاقدات إسكان حجاج الخارج بقبضة القنصليات وبعثات الحج ؛ كان نتيجته تجاوزات وعمولات وفسادا ماليا من بعضهم ؛ وهذا رفع التكلفة على الحجاج المساكين ؛ وأعـتقد أن المعالجة تكمن في عودتها لوزارة الحج أو بتشديد الرقابة والمتابعة وفق آليةٍ منطقية وواضحة !
* الثالثة : جهود توعوية وتثقيفية وإعلامية تُبذل في أيام الحج من جهات متعددة سواء كانت رسمية أو خيرية ؛ إلا أن شيئاً من عشوائية التـخطـيـط وازدواجية التنفيذ قد يُـبَـعْـثِـر تلك الجهود فلا تؤتي أكلها ( مع افتراض حُـسْـن النية ) ؛ وهنا أتذكر مشهداً عايشته مع بعض الزملاء قبل عدة سنوات ؛ فـفي إحدى دول الجنوب الإفريقي ، التقينا بأحد المـسـئـولـين المـسـلـمـين فـيـها الذي أراد أن يُـثْـبـت لنا عملياً أنه قد حَـجّ ؛ فـأَخَـذ يُـرَدد عـبارة من مصطلحات تلك السنين بقوله : ( خَـشَـب يَـا حَـاج ) ؛ هذا الرجل من رحلـة حجه لم تـحـتـفـظ ذاكرته إلا بهذا المشهد دون سواه !!
إن اجتماع الملايين من الحـجـاج من مختلف أصقاع الأرض ومن شرائح مـتـنوعة ، وبألـسـنـة مـتـعددة فرصة كبرى لـتـصـحـيـح بعض المفاهيم المغلوطة عن الإسلام ، ونـشـر ثقافـتـه الصحيحة وعدالته وسماحته ، وكذا نـشـر رسالة المملكة وصورتها التي تنطلق من تلكم المبادئ في منأى عن الشعارات السياسية التي يـجـب أن تـبـتـعـد عنها شـعـيرة الـحـج ؛ فلابد من توحيد وتنسيق ومتابعة جهود التوعية والتثقيف تحت مظلة واحدة بالتعاون مع مؤسسات وشركات الحج العامة والخاصة ، ووضع الآليات المناسبة لاختيار من يـقـوم بالتوعية ليكون ذا فكر معتدل يمتلك لغة التخاطب مع الحجـاج على اختلاف بيئاتهم وثقافاتهم ، ومذاهبهم الفقهية ، وأساس فتواه التـيـسـير ما أمكن ؛ مع اختيار أسالـيـب متـنـوعة لعرض وتوزيع الرسائل الإعلامية بما يـتـطلبه واقع العصر .
*الرابعة : كثير من الحجاج قد تكون هذه حـجة عمرهم الوحيدة ؛ وصادق أمنـيـاتهم أن يقوموا بمناسكها كما ينبغي ؛ وبعضهم بحاجة للمساعدة لـيـفْـعَـل ذلك ؛ وهذه المهمة يحمل لواءها العاملون الذين يباشرون خدمة ضيوف الرحمن ؛ والمهمة هذه تقع أيضاً ضمن مسئوليات كل مواطن ؛ كيما يعطي بحسن تعامله ، وأريحيته ؛ صورة حسنة عن بلادنا تبقى عالقة في ذاكرة الحاج مهما تقدمت به سنين العمر بل ربما ورّثََـها لأولاده وأحفاده .
( الرقيب يقول انتهت المساحة ؛ وأنا لكم أقول : هَـيَا مع السلامة ، وكل عام وأنتم بخير ) . ألقاكم بخير والضمائر متكلمة .
فاكس 048427595
aaljamili@yahoo.com