المؤسس.. وتأسيس التعليم
يسجل التاريخ للملك عبدالعزيز إيلاءه التعليم عناية خاصة منذ البداية.. فما أن استقرت الأمور له في الحجاز حتى ظهرت سياسته نحو التعليم جلية وواضحة، ولم تمض سنة على دخوله مكة المكرمة حتى «زار بنفسه مدرسة الفلاح وتبرع لها بمائة جنيه وعشر ذبائح وستة أكياس من الأرز».. يقول محمد علي مغربي عن تلك الزيارة وما تلاها من زيارات: «كما كانت مدارس الفلاح تحظى بعناية كبيرة من جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز، وأذكر أنه قام بزيارة المدرسة بعد فتح مدينة جدة مباشرة، واحتفلت المدرسة احتفالاً كبيراً بمقدمه، كما أذكر أنه أهدى للمدرسة مبلغاً من المال أسست به نواة المكتبة الموجودة في المدرسة»
ويتابع مغربي: «وأذكر أنه حضر مرة إلى جدة وكانت المدرسة مشغولة بالاختبارات، والطلاب منهمكون في هذه الشؤون، وتخلفت المدرسة عن الزيارة المعتادة، ويبدو أن جلالته افتقد المدرسة وطلابها، فسأل عنهم، ويبدو أن المدرسة تلقت إشارة بذلك، فبادر الشيخ حسين مطر مدير المدرسة رحمه الله- واختار بعض الصفوف العليا من المدرسة، وذهبنا جميعاً لتحية جلالته في بيت نصيف في ملابسنا المعتادة، وقد تعود جلالته أن يرى التلاميذ وقد لبسوا أحسن ما لديهم من الحلل، وكانت الجبة والعمامة الألفي هما اللبس السائد في هذه المناسبات، وحينما رأى جلالته ذلك أدرك أن الزيارة إنما تمت على غير استعداد، وقد شرح له المدير انشغال الطلبة بالاختبارات، فألقى جلالته كلمة في الطلبة ذكر فيها أنه يعتبر أن العلم الذي نسعى لتحصيله هو الزينة الحقيقية لنا، وكانت لفتة كريمة وذكية من جلالته»
ثم كانت الخطوة الرسمية الأكبر نحو التعليم حين أصدر الملك عبدالعزيز في غرة شهر رمضان من عام 1344هـ أوامره بإنشاء إدارة للتعليم في مكة المكرمة سميت بمديرية المعارف العمومية، ولم تمر سنتان على إنشاء مديرية المعارف حتى صدر «أول نظام للتعليم في المملكة العربية السعودية في عام 1347هـ»، «وقد شهدت البلاد في عهد هذه المديرية مولداً لعديد من مدارسنا العتيدة فأنشئ في عام 1354هـ، المعهد العلمي السعودي الذي كان له دور هام في تاريخ الحياة التعليمية في بلادنا كما تأسست مدرسة تحضير البعثات سنة 1355هـ وهي المدرسة التي تعد طلابها للالتحاق بالجامعات في البلاد العربية»
وتظهر الأرقام القفزة التعليمية التي حدثت للحجاز منذ بداية العهد السعودي، حيث أصبح في مكة بعد فترة وجيزة سبع وعشرون مدرسة ابتدائية، بعد أن كانت أربعاً فقط قبل الحكم السعودي، وفي المدينة المنورة أربع وعشرون ابتدائية بعدما كانت تخلو من أية مدرسة، وفي جدة ثماني عشرة ابتدائية، وفي الطائف أربع وعشرون. أما الثانويات فلم تكن في الحجاز قبل العهد السعودي أية مدرسة ثانوية، ولم يأت عام 1969هـ حتى كان في الحجاز ست ثانويات. وبلغ عدد الطلاب في عام 1375هـ -حسب إحصائية كتاب (وزارة المعارف في خمس سنوات)- خمساً وستين ألفاً ومائة وستةً وخمسين طالباً
المدينة الخميس 18 / 07 / 2019