دحال مكة المكرمة !
قال الأصمعي: الدَحْلُ: هُوٌةُ تكون في الأرض وفي أسفل الأودية، فيها ضيقٌ ثم تتسع. والدحلة هي حفرة في الأرض ضيقة الفم واسعة الأسفل وجمعها دُحلُ ودحال وأدحل، وقد تكون مدخلاً أو تجويفاً أو جرفاً في سفح جبل من الجبال -وهي أصغر من الشعب- يضيق أعلاها ويتسع أسفلها.
ومكة المكرمة شرفها الله كثيرة الدحول والشعاب والأودية ومرد ذلك الجبال التي تحيطها من جميع الجوانب والممرات التي بينها والتي تعتبر مجاري للسيول عند هطول الأمطار الى داخل المدينة، وقد قامت في هذه الشعاب والدحول والأودية بمكة المكرمة منازل وأحياء نسبت اليها والتي تعد تراثاً مكياً صرفاً في الماضي، تقطنها العائلات المكية الشهيرة، وتعرضت بعض هذه الأماكن للهدم والازالة بسبب وقوعها داخل نطاق مشاريع توسعة المسجد الحرام مما أدى الي إزالة هذا التراث المكي العريق الممتد منذ عقود.
ومن أشهر دحال مكة المكرمة، دحلة السادة في التيسير والتي سميت بذلك لسكن بعض أسر السادة فيها ودحلة المواركة في حي الطنطباوي والتي سميت بذلك لان أغلب سكانها من قبيلة المواركة قديماً، ودحلة الجن الشهيرة في حي شعب عامر قبل التوسعة ودحلة المغاربة ودحلة حرب في حي جرول والتي سميت بذلك نسبة الى رجل سكن هذا الحي اسمه حرب ويستفيد من مكانها اليوم قطار الحرمين لنقل ملايين الحجاج والمعتمرين وغيرها.
وحي المسفلة، من أقدم أحياء مكة المكرمة وأكبرها وبه أشهر شوارعها -شارع إبراهيم الخليل-، ويعد حي المسفلة كذلك من أكثر أحياء مكة المكرمة من حيث عدد الدحال والتي لازال بعضها موجوداً الى وقتنا الحاضر. البداية، بدحلة الرشد وهي في الجهة الغربية لشارع إبراهيم الخليل نزولاً وأقدم من سكن هذه الدحلة هم أفراد من قبيلة الاشراف -اللبابيس- بعدها دحلة الولايا أو-الولاية- وهي في نفس الجهة الغربية من الشارع وأغلب من سكن هذه الدحلة قديما بعض أبناء الجاليات الأفريقية، ثم دحلة أبو طبنجة في الجهة الشرقية من شارع إبراهيم الخليل ناحية شارع الهجرة والتي يعود سكانها الى بعض الجاليات الآسيوية التي سكنت البيت الحرام قديماً. بعدها دحلة الشيخ بكر شرف، ودحلة الكواشكة وكلتاهما في الجهة الغربية من الشارع وتقع حالياً بعد جسر أو كبري المسفلة وتعود تسميتها الى عائلة شرف وآل كوشك الشهيرة بمكة المكرمة.
ستظل هذه الأماكن التاريخية القديمة في ذاكرة أبناء مكة المكرمة عموماً وأبناء حي المسفلة على وجه الخصوص ولا يمكن أن يطويها النسيان، وأنا على يقين أن لدى مركز تاريخ مكة المكرمة -دارة الملك عبد العزيز-أرشيفاً ومعلومات عن تاريخ مكة المكرمة وتراثها ومآثرها الفكرية والمعمارية في جميع العصور.
صحيفة المدينة 1440/10/9هـ