شعيب والفيصلية
وأنا أدرس في المرحلة المتوسطة في مدرسة عبدالله بن الزبير في مكة المكرمة في حينا الجميل الجميزة الذي يبدأ من نهاية جسر الحجون إلى ما قبل قصر السقاف، ويليه المعابدة، عرفت بجوار بيتنا مكتبة شعيب وكان صاحبها السيد صالح شعيب رحمه الله وهو من أهل المعابدة يعمل بها رجل أمين على خلق ودين تغمده الله برحمته الأخ محسن الحاج وهو من أبناء حضرموت ومعه الأخ عبدالسلام.
كان الوالد يرحمه الله يحرص على تواجد جريدتي البلاد والندوة في بيتنا، وكذا كنت في تلك المرحلة اشتري مجلة آخر ساعة، والعربي، والكواكب، وبعض الكتب، وتأتينا مجلة هنا لندن على مكتبة شعيب، إذ وضعت عنواني عليها، وبعد سنوات، عندما بدأت العمل الصحفي في ١٣٩٨هـ في البلاد، ظهرت أهمية أخرى لمكتبة شعيب وهي انتظار الصحف بعد الفجر لمتابعة أخباري على صفحاتها، واستمر ذلك فترة عملي في الندوة والرياض، وبعد سنوات انتهت مكتبة شعيب والتي كانت في مكة هي والثقافة من أكبر المكتبات وبقيت الأخيرة، رحم الله مؤسسها.
هذه مقدمة لحديثٍ جميل عشته أمس الخميس الثالث عشر من شعبان ١٤٤٠هـ، بعد أن قرأت تغريدة لزميلنا الصحفي الخلوق عطاالله العصيمي يتحدث فيها عن مكتبة الفيصلية المعروفة في حي المعابدة يمين المتجه للروضة والششة، والمفاجأة العجيبة أنني عرفت أمس فقط أن مؤسس وصاحب فكرة المكتبة واختيار اسمها صديقنا وزميلنا التربوي سليمان بن عواض الزايدي الذي عمل مديرًا عامًا للتعليم في العاصمة المقدسة والمنطقة قبل اختياره عضوًا في مجلس الشورى، وفورًا تواصلت معه هاتفيًا، وقلت: أريد أن أعرف قصة تأسيس الفيصلية إذ اعتبرتها معلومة كان من الواجب أن أعرفها بحكم الحي والعمل الصحفي، والعلاقة مع الزايدي.
قص لي أبا سامي الحكاية التي كانت في بداية التسعينات الهجرية فترة دراسته في كلية التربية بجامعة أم القرى، وكان يسكن في الحي مع عدد من زملائه، ولشغفه بالكتب والثقافة حرص على تأسيس مكتبة أو قرطاسية تلك الفترة، وسجلها باسمه في فرع التجارة بمكة، وكان يباشر العمل فيها فترة فراغه، وعندما غادر من مكة إلى الطائف ثم لخارج البلاد للدراسة، أوكل أمرها لأصدقاء له. قلت له أنني أعرف الفيصلية سنوات طويلة، بل من أربعة عقود أو تزيد، لكنني لم أتوقع أي علاقة لك بها، وهي فرصة وجدتها سانحة للحديث عن مكتبة شعيب والفيصلية التي اختار لها المؤسس الزايدي اسم الملك فيصل رحمه الله ولا بد أن اشير هنا إلى دور المكتبات تلك الفترة والتي تصدرت سنوات طويلة إقبالًا واهتمامًا من جيلنا والذي يليه، لكنه تراجع من ربع قرن أو تزيد، خاصةً مع انشغال الناس وتوفر مصادر معلومات إلكترونية، وبقي دورها الأساسي توفير الأقلام والدفاتر واحتياجات طلاب وطالبات المدارس.
ما زلت أذكر كُتاب ومثقفين كبار آراهم أمام باب مكتبة شعيب والثقافة والفيصلية وغيرها، ومحسن رحمه الله والذي حفظ أسماء الكتب والمخطوطات وأسماء مؤلفيها، ومكان وجودها. وقد كانت المكتبة في أول عهدها تستغل جزءًا على الشارع الرئيس تحت مسجد الأمير بندر الذي أزيل قبل سنوات ثم انتقلت لمكان بالقرب من المسجد بمساحة أكبر، حتى انتهت قبل سنوات ربما تزيد على الربع قرن.
المصدر : صحيفة مكة الآن