سيرة إنسان.. صالح خصيفان

هاتفني الزميل الكريم الأستاذ محمّد الفال ليخبرني بانتقال الإنسان صالح خصيفان لمثواه الأخير. وخبر كهذا يهتمّ بإيصاله إلى الآخرين شخص ينتمي إلى زمرة الصحافيين والإعلاميين والكتبة؛ أعني الزميل الفال، فيه دلالة على أن حياة الفقيد كانت متعددة الجوانب والاهتمامات والرؤى.. فعلى مدى أربعين عامًا وأكثر؛ كان هذا الإنسان حاضرًا بقوّة؛ فهو على حرصه الشديد على كل ما يمسّ أمن هذا الوطن، وسعيه الحثيث كذلك على تجنيبه -بتوجيه ومؤازرة من ولاة الأمر- كل ما يدخل في باب الإساءة إلى اللحمة الوطنية وسواها، القوية منذ تأسيس هذا الكيان على يد المغفور له الملك عبدالعزيز -رحمه الله- حتى هذه الحقبة المباركة.. نعم؛ ورغم امتلاكه هذا الحسّ الأمني الرفيع؛ فهو كان قادرًا أيضًا على أن يتعامل مع الآخر بحسّ إنساني مرهف، بل يمكن القول بأنه وبمؤازرة وتوجّه من المؤسّسة السياسية الحاكمة حرص على أن يجعل الباب مفتوحًا أمام كل الأفكار المطروحة ومناقشتها نقاشًا علميًا ترتد آثاره الإيجابية على العلاقة القوية التي تربط إنسان هذا الوطن بمرجعياته السياسية والدينية والاجتماعية.

ورث الإنسان «الخصيفان» من والده الفريق طه خصيفان كل ضروب الإحسان والمعروف، وبذل الجاه في أوجه الخير. وكانت دار الخصيفان في «قشاشية» مكة المكرمة مفتوحة أبوابها للجميع، القادمين من داخل الوطن وخارجه، وتلك شمائل القوم الذين حظوا بجوار البيت العظيم، ونالوا من نفحاته النصيب الأوفر، والقسط الأوفى. وإذا كان والده قد عرف بالسعي للصُّلح بين المتنازعين على شأن من شؤون هذه الدنيا الفانية، حتى إنه لانشغاله بهذا المنحى والسلوك الاجتماعي قد أسبغ عليه لقب «الشيخ طه»؛ فإن الابن «صالح» قد سار على النهج نفسه، وبلغ فيه مستوًى قياسيًا من ضروب صُنع الجميل، الذي حثت عليه مقاصد الشرع الحنيف.

لقد نقش الفقيد الخصيفان اسمه في قلوب كل الذين عرفوه، أو سمعوا به، أو ارتبط معهم بروابط الود والألفة والوئام، وأزاح بمواهبه المتعددة، وبتوجيه من القيادة الحكيمة، كل ما يدخل في باب الرهبة أو الخوف من الدائرة الأمنية، وسعى للتقرّب من جميع فئات الوطن، وخصوصًا زمرة المثقفين والكُتّاب، الذين دبّجوا أصدق الكلمات في حقّه عندما ترجّل عن عمله الأمني، ليبقى مستشارًا أمنيًا في ظلّ الرعاية الكريمة التي حظي بها من قبل ولاة الأمر. فلقد كسب في وقت واحد؛ ثقة ولي الأمر عن جدارة واقتدار، ومودة أرباب الفكر والأدب، الذين تعاملوا معه كأب وأخ ورفيق، وكثيرًا ما انفتحت لهم أسرار شخصيته الودودة، وسلوكياته الإنسانية الرفيعة، فذهبوا يهتفون باسمه في كلّ محفل، ويتغنون به في كل نادٍ..

ألا رحم الله أخانا الإنسان صالح خصيفان بما يرحم به عباده الأبرار، وجعل البركة في عقبه وذريته، وألهم آله وذويه وأصحابه حسن العزاء.

المدينة 1440/7/26هـ