الفتـاة قلبُ أبيـها

الفتـاة قلبُ أبيـها

بقلم د. مجدي بن سرور باسلوم

بينما كنتُ في رحلةٍ عائلية لبضعة أيام في شاطئ مدينة جدة مصطحبًا معي حفيدتي "فاطمة" ذات أربَعةِ الأربِعة، والتي يتغيب عنها والدها لظروف إكمال تعليمه خارج البلاد، فبينما نحن هناك وجميع أحفادي برفقة أبويهم لاحظت هدوءًا غير مألوف على "فاطمة" بجلوسها أحيانًا بمعزل عن رفاقها إلا أن المتأمل في وجهها آنذاك يرى فيه بعضًا من الحزنِ والبؤس، فما لبثَتْ قليلا هذه الطفلة حتى بدأت تُكثر السؤال عن موعد عودة أبيها، وعن سبب تأخره وطول غيابه، فتأكدت حينها مدى اشتياق الابنة لأبيها وعجْزها عن التعبير لحداثة سِنّها.

تذكرت وقتها مقولة "الفتاةُ سرّ أبيها"، نعم! إن علاقة الأب بابنته هي معجزة العلاقات، إنها علاقة غراميّة من نوع آخر ، فالأب هو الرجل الأول في حياة كل فتاة، وهو أول قصة حب لها؛ فالفتاة تتأثر كثيراً بكمية الحبّ والحنان والخوف والاهتمام والعطاء والغيرة التي يبديها الوالد لها، وبالطبع فالفتيات تعشقن هذه الصفات كثيرًا.

الحب المتبادل بين الأب وابنته هو حب قابل للزيادة لا مجال لنقصانه، فالأب رجل لن يكرره الزمان، ولا يقدر وجوده بمال، هو الأمن والاحتواء، والسند والعطاء.

إن الفتاة هذه "الإنسانة النبيلة" التي خلقها الله من رحمته تعطي وتضحي كثيرًا، تعطي عندما تكون ابنةً؛ فهي تمنح الوالدين حنانًا وحبًّا وشفقةً حتى تخطف قلب أبويها، وتضحي عندما تكون أختًا، وتضحي عندما تصبح أمًّا وزوجةً.

ابتسامة ابنتي تمنحني الحياة، ابتسامة ابنتي تنسيني أهوال الحياة ومشاقّها، ابتسامة ابنتي تشعرني بدفءٍ وراحة، ابتسامة ابنتي تحمل إليّ رسائل الطمأنينة والسلام.

هِيَ الَّتِي تُذهِبُ الأَحزَانَ فِي كَلِمٍ ... تُزِيلُ عَنِّي صُنُوفَ الغَمِّ وَالكَمَدِ

بناتنا .. أنتنّ مملكة القلوب، ورفيقات الدروب، والسكونُ إذا ادلهمّت الخطوب، أنتنّ أنسُ الحياةِ وبهجتها، وروعتها وطمأنينتُها، أنتنّ الجمالُ المرهف، ومن عبث بالقلب وأتلف.

إذا رحلتُ عن الحياة .. تذكّرن أنه كان لكن أبًا أسرتنّ بحنانكنّ خويلجات قلبِه، وملكْتنّ بوجودكنّ أحشاء فؤداه، أغدق في عطائه، وأخلص في تربيته.

إذا رحلتُ عن الحياة.. اِرعين إخوانكُنّ، كنَّ لهم منبع حبّ يكونوا لكنّ مصدر أمْن، فالأخ هو الحصنُ الحصين، والسدّ المنيع.

إذا رحلتُ عن الحياة .. حافظْن على حياتكنّ بحيائكنّ ونبل أخلاقكنّ، وبحسنِ تبعلّكن لأزواجكن، حافظن على أنفسكن من تقلبات الدنيا باتباع صراط الله المستقيم كما التزمت بتربيتكن على النهج القويم.

حفظ الله أبنائنا وبناتنا..

انتهى