هزيمة ريتشارد أمام الحجر الأسود
دخل الحجر الأسود محط أنظار المستشرقين، نتيجة لقراءتهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه حجر نزل من السماء، وأنه من أحجار الجنة، كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي بسند صحيح عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما «نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن، فسودته خطايا بني آدم».
ويعتبر الرحالة السويسري يوهان لودفيج بوركهارت أول من قدم وصفا مفصلا للحجر الأسود عام 1829 في كتابه «السفريات في البلاد العربية»، بعد زيارته لمكة المكرمة عام 1814، وبهذا يكون أول من وصف الحجر الأسود في الأدب الغربي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من الرحالة الأوروبيين.
وسعيا من بعض المستشرقين للوصول إلى خطوة تمكنهم من مهاجمة الإسلام، قالوا «إن الحجر الأسود ما هو إلا حجر بازلت أسود،وأرادوا أن يثبتوا صدق كلامهم، فأرسلت الجمعية الملكية الجغرافية البريطانية التابعة لجامعة كامبردج جاسوسا بريطانيا ليسرق قطعة من الحجر الأسود؛ ليثبتوا للعرب والمسلمين، أن ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحجر الأسود ليس صحيحا».
وقد أوضح الدكتور زغلول النجار ذلك بقوله: حينما علم المستشرقون بهذا الأمر أرادوا البحث عن ثغرة يهاجمون بها الإسلام فقالوا إن المسلمين لا يعلمون شيئا، وقالوا إن الحجر الأسود ما هو إلا حجر بازلت أسود موجود في الطريق ما بين المدينة ومكة قد جرفه السيل إلى مكة فوجده إبراهيم ووضعه بداية للطواف.
وحتى يثبتوا صدق قولهم أرسلوا أحد علماء الجمعية البريطانية التابعة لجامعة كمبردج والذي تعلم اللغة العربية ودرسها، وهو ريتشارد بيرتون الذي ذهب إلى المغرب، ومنها إلى مصر لأداء فريضة الحج مع حجاجها الذين أكرموه، معتقدين أنه كبريطاني وأسلم حديثا لا بد أن يكرموه، ويطعموه، ويظهروا محبتهم له كمسلم جديد!
فتأثر بذلك وتأثر أكثر عندما رأى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم والمدينة المنورة، وازداد تأثره بعد أن رأى الكعبة المشرفة من على مشارف مكة، وكان ذلك في القرن التاسع عشر، وقال الرجل وهو يسرد يوميات رحلته « لقد هزني ذلك المنظر كثيرا من الأعماق ». ورغم كل ذلك صمم على إنجاز مهمته التي جاء من أجلها، فدخل المسجد الحرام واقترب من الكعبة المشرفة، وفي غفلة من حراسها استطاع كسر قطعة من الحجر الأسود، وذهب بها سريعا إلى جدة، فاحتفل به السفير البريطاني بجدة احتفال الأبطال، فهم يرون من وجهة نظرهم أنه بطل أتى بدليل ثابت على بطلان قول النبي صلى الله عليه وسلم بأن الحجر الأسود من السماء.
ووصل العالم البريطاني إلى لندن وأودع قطعة الحجر الأسود في متحف التاريخ الطبيعي بلندن ليتم تحليله، وكانت المفاجأة بعد التحليل إذ ثبت أن الحجر الأسود «نيزك» من نوع فريد!
وحينها وقع العالم البريطاني ريتشارد بيرتون مغشيا عليه، وألف كتاب «رحلة إلى مكة » الذي يعتبر من أفضل الكتب التي أصدرها المستشرقون، ويتكون من جزأين، وصف في الجزء الأول عداءه للإسلام وإصراره على هزيمة المسلمين، وفي الجزء الثاني وصف خضوعه لله سبحانه وتعالى بسبب أن الحجر الأسود من أحجارالسماء.
نُشر في صحيفة مكة بتاريخ : الجمعة 14 جمادى الآخرة 1439 - 02 مارس2018