عن الجبل الحجازي حسين سرحان !

• عندما يغشاك اسم الأديب الكبير (حسين سرحان) فإن أول ما ينصرف إليه الذهن -بدلالة الاسم- هو أن الحديث يتعلق بشاعر من أرض الكنانة، أو أديب تعود جذوره إلى بلاد الشام.. لكنك حتماً ستمتلئ بالدهشة والفخر عندما تعرف أن هذا الشاعر والقاص والكاتب والناقد هو أحد أبناء الحجاز الأصيلين، وممن صنعوا هويته الثقافية، بعد أن جرعته الصحراء ماء الفصاحة والشموخ والفطنة، وأفاض عليه البلد الحرام شيئاً من نوره وبركاته.. أما اسم (سِرحان) بكسر السين، فهو لفظ عربي موغل في الفصاحة، ما انفك أبناء البادية يستخدمونه كأحد أسماء الذئب الذي يحترمونه ويقدرون شجاعته ويكنُّون به أبناءهم.

• ولد حسين بن علي بن صويلح بن سِرحان العتيبي في العام ١٩١٦م في حي المعابدة بمكة، حيث كان جده عمدة للحي، درس في مدارس الفلاح لسنة ونصف فقط، وكأنه كان يريد التقاط مفاتيح العلوم فقط، ثم بدأ مرحلة التعلُّم الذاتي فقرأ كتب اللغة والشعر والتاريخ والتراث العربي التي صقلته، فقال الشعر وكتب المقال ونشر في مجلات القاهرة الكبرى وهو ابن ١٧ عاماً.


• كان للسرحان محبة عظيمة في قلوب الحجازيين بمختلف مشاربهم، وصفه الأستاذ محمد علي مغربي قائلاً: «بدوي الطلعة نحيف البدن، تبدو على ملامحه سيماء الشموخ لكنه ليس بالمتعالي؛ بل لا يحفل بما تعارف عليه الناس من احتفاء بالمظاهر وإكبار للمناصب». وعنه أيضاً يقول مصطفى زقزوق: «شاعر عبقري لم يجُد الزمان بمثله، يملك من عزة النفس ما لا أستطيع وصفه».

بالفعل فأكثر ما يشدّك في شخصية هذا البدوي الشامخ هو أنفته الواضحة واعتزازه الشديد بكرامته، وهو ما يكاد يجمع عليه كل من عرفه، فقد كان عفيف النفس أبعد ما يكون عن التسلق، ولعل هذا من أسباب عدم شيوع أدبه وجواهره، فقد كان يأنف الولوغ في أقداح الوصولية، ولم يكن ممن يعرضون بضاعتهم على طرقات الإعلام، ولا ممَّن يتهافتون على موائد الكبراء، حتى اتُّهم بالانطوائية وحُب العزلة وربما التكبُّر.

• حسين سرحان الذي يعد من رواد المقال الساخر في المملكة، كُتب عنه وعن أدبه رسائل ماجستير ودكتوراه في جامعات سعودية وعربية، باعتباره من أهم وأعظم الأدباء العرب، وواحد ممَّن شكَّلوا وجدان الحجاز وهويته الثقافية، تلك الهوية التي يقول عنها الأستاذ عبدالله عبدالجبار أنها البوتقة الحيوية التي انصهرت فيها كل الخصائص الأساسية للأمة، العقائد واللهجات والتقاليد والأخلاق فصفَّاها من كل أدرانها.

• أفلا يجدر بنا أن ندرس سِيَر هؤلاء العظام ونبرزهم كقدوات؟!

نُشر في جريدة المدينة
الأربعاء 21 / 02 / 2018