كروخرز وعيد مكة الكبير ..
نقل المستشرقون رحلة الحج إلى مكة المكرمة في الماضي من خلال فرعين، الأول اعتمد على مستشرقين مسلمين دخلوا مكة المكرمة حجاجا ملبين، وآخرين دخلوها متخفين بصفة حجاج، والحقيقة أنهم جواسيس، وبين الاثنين فروقات، فالأول هدفه أداء الفريضة، أما الثاني فكان هدفه البحث عن سلبيات الحج ورصدها، وتدوين ما يؤديه الحجاج من شعائر ولقاءاتهم واجتماعاتهم وصلواتهم، ونقلها للمستعمرين.
وبين الاثنين فروقات واضحة في التدوين، وحينما خرج كروخرز، وهو مخرج هولندي، واسمه جورج ألبرت إدوارد كروخرز عام 1928 إلى مكة المكرمة لم يكن هدفه أداء فريضة الحج، كالحجاج القادمين من الجزر الإندونيسية الذين رافقهم، فقد ركز هدفه على تصوير مشاهد الحج تصويرا تلفزيونيا، في صور متحركة، ليكون بذلك أول من يكسب هذا السبق الإعلامي بعد أن كسب زميله الهولندي كريستيان سنوك هورخرونية التقاط أول صور لمكة المكرمة عام 1885.
ودخل كروخرز مكة المكرمة مع حجاج إندونيسيا في ملابس الإحرام على أنه مسلم، لكنه لم يكن كذلك، فقد كان هدفه العمل على إنتاج فيلم خاص على غرار الأفلام الوثائقية التي أنتجتها شركة «جاوة للسينما» التي أسسها عن الجزر الإندونيسية، ووفقا لبعض المراجع التي اطلعت عليها فإن كروخرز «قام بالتصوير أحيانا في سرية عن طريق كاميرا وضعها في جراب صممه خصيصا بثقب للعدسة يمكن حمله على الكتف من دون أن يلاحظه أحد»، وسمي فيلمه «عيد مكة الكبير»، مقتبسا عنوان رسالة سنوك التي قدمها لنيل درجة الدكتوراه في لايدن، والتي كانت تحت عنوان «عيد مكة».
وقد تم عرض الفيلم في سينما مدينة لايدن الهولندية للمرة الأولى في 25 جمادى الأولى 1347 الموافق 8 نوفمبر 1928بحضور ولية العهد الأميرة يوليانا، وحظي العرض الأول للفيلم في هولندا باهتمام كبير، وبحضور وزير المستعمرات، ورؤساء إدارات المستعمرات، والقنصل الهولندي في جدة. وإن كان كروخرز استغل موسم الحج وخرج بفيلم «عيد مكة الكبير»، فإن شركات السفن التي ساهمت في تمويل جزء كبير منه استغلت تمويلها في استخدام دعاية خاصة بها، تبرز الخدمات التي تقدمها للحجاج في الجزر الإندونيسية، كما لعبت الصحافة الهولندية دورها في الحديث عن الخدمات الحكومية المقدمة في المستعمرات الهولندية، وأثنت على الفيلم لكونه أول عمل إعلامي مصور يتناول رحلة الحج، ويظهر مراحل الحج بدءا من وصول السفن إلى جدة وتنقلات الحجاج بين مدن الحج، جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة، ولحظات مرور الحجيج بالمواقيت وتوقفهم بها ورحلتهم إلى المشاعر المقدسة «عرفات، مزدلفة، منى»، وما تحمله من شعائر تؤدى كالوقوف بعرفات والنفرة إلى مزدلفة ثم رمي الجمار والنحر، وطواف الإفاضة، وطواف الوداع، وغيرها من الشعائر الدينية التي تؤدى في الحج.
وإن اختلف الكثيرون مع كروخرز واستغلاله لموسم الحج في إنتاج فيلم سينمائي، فإنه أبرز فريضة الحج للآخرين، وأوضح مدى تمسك المسلمين بأدائها مهما بعدت المسافات.
نُشر يوم الجمعه 30 جماد أول 1439 هــ _ جريدة مكة