نويت سنة الاعتكاف

من السنن الغائبة عن الناس، سنة الاعتكاف لله تعالى؛ والاعتكاف كما قرره فقهاء المذاهب الإسلامية، هو اللبث في مسجد على صفة مخصوصة، بنية مخصوصة، ومما يؤكده الفقهاء، أن الاعتكاف سنة في كل العام، وآكده في رمضان، وفي العشر الأخير منه بالخصوص، ويذهب أكثر العلماء إلى أن أقل مدة الاعتكاف، لحظة من ليل أو نهار، كما قال ذلك الإمام المرداوي من أجل فقهاء الحنابلة، في كتابه الممتع (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف): "أقله إذا كان تطوعا أو نذرا مُطلقا؛ ما يُسمى به معتكفا لابثا، قال في (الفروع): فظاهره ولو لحظة، وفي كلام جماعة من الأصحاب: أقله ساعةٌ، لا لحظة"؛ وعند الشافعية لا يقدر اللبث بزمان، بل اشترطوا في اللبث أن يكون قدرا يسمى عكوفا وإقامة، ولو بلا سكون، بحيث يكون زمنه فوق زمن الطمأنينة في الركوع ونحوه، فيكفي التردد فيه لا المرور بلا لبث..

السابقون تميزوا بالحرص على تحقيق حكم وأسرار الاعتكاف، ومن أهمها إبعاد النفوس من شغل الدنيا، والتشبه به صلى الله عليه وسلم؛ ولأجل ذلك صنعوا ووضعوا لوحة رخامية جميلة، منقوش عليها عبارة تذكيرية تنبيهية نصها: "نويت سنة الاعتكاف"، ولا أدري كيف تم التجرؤ عليها؟، ومن أعطى نفسه حق إزالتها يوم الأربعاء الماضي، من سارية المسجد النبوي الشريف، عند الدخول إلى المسجد من جهة باب الرحمة، أو باب السلام، رغم توالي الأزمنة على وضعها، ورغم إقرار ومرور أولياء أمورنا عليها: جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، مرورا بجميع أبنائه البررة من بعده ـ رحمهم الله جميعا ـ حتى عهد قائدنا خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ أيده الله ـ ..

هذه الجرأة العجيبة التي أصابت بعض الثوابت في الحرمين الشريفين؛ كإزالة هذه اللوحة مثلا، وإضافة (الزخرفات المزدحمة) في كسوة الكعبة المشرفة، تستحق التنبيه الحازم على مؤيديها، وأن يتم الأمر الكريم بإعادة ما كان كما كان، ولا نفتح أبواب الانتقاد على بلادنا، التي يكرر قادتها دوما، أن شرفها وعزها في خدمة الحرمين الشريفين، وزوارهما..

أختم بما ذكره الإمام ابن عبدالبر في كتابه الشهير (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد) من أن هارون الرشيد ذكر للإمام مالك بن أنس أنه يريد هدم ما بنى الحَجاج من الكعبة المشرفة، وأن يرده إلى بنيان عبدالله بن الزبير، لما جاء في ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..، فَقَالَ له الإمام مالك: "ناشدتك اللَّه تعالى يا أمير المؤمنين أن لا تجعل هذا البيت ملعبة..؛ فتذهب هيبته من صدور الناس".

الوطن 1438/2/19هـ