المطوف.. جهود مضنية وطاقات مهدرة!

الله أكبر.. يومان وينتهي موسم حج 1437 والذي كان بحمد الله وتوفيقه حجا ناجحا بكل المعايير، وبفضل الجهود الكبيرة التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - والتي لا تألو جهدا في توفير أقصى درجات الراحة والطمأنينة لحجاج بيت الله الحرام حتى يؤدوا مناسكهم براحة وطمأنينة ويعودوا لبلادهم لتبقى رحلة الحج أجمل صورة تطبع في ذهن الحاج ويبقى يرويها لأبنائه وأحفاده سنوات عديدة.

ولقد سعدت جدا بما شاهدته شخصيا، بزيارتي لبعض مكاتب الخدمة الميدانية في المشاعر المقدسة لبعض مؤسسات الطوافة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي من جهود جبارة يبذلها المطوفون، وتنظيمات واستعدادات تفوق الوصف؛ فمنهم من ابتكر نافورة مياه في فناء المخيم للتخفيف من وطأة الحرارة، وآخرون رصفوا ممرات الخيام ببساط أخضر لتسهيل المشي، ووضعوا مراكن زرع طبيعي أو صناعي لإعطاء المكان روعة وجمالا، وآخرون وضعوا الإضاءات الحساسة ليد (lid) على الخيام لتنظيم حركة الحجيج؛ فاللون الأحمر يشير إلى خطر الخروج لوجود زحام شديد، والأصفر يعني الاستعداد للخروج، والأخضر يعني الانطلاق. كما تم تزويد الخيام بمقاعد تتحول إلى أسرة، بالإضافة لفرش مشعر مزدلفة بالسجاد من كافة مكاتب الخدمة الميدانية بالمؤسسات لتوفير المبيت المريح للحجاج.. هذا كله فضلا عما يحدث كل عام من استعدادات روتينية مثل: إزالة المخلفات التي تراكمت خلال عام كامل وقص بعض الأشواك والشجيرات الطفيلية داخل المخيم والتي تقف حجر عثرة في طريق الحجاج، وفرش المخيمات، وإصلاح وصيانة المكيفات، ودورات المياه، والتأكد من كفاية الإمدادات والأحمال الكهربائية بما يتناسب مع احتياجات المخيم، وفي حالة عدم كفايتها يتم شراء مولدات كهربائية من قبل المطوف أو استئجارها هذا فضلا عن تجهيز المطابخ وبنائها على حسب مواصفات الدفاع المدني.

هذا غيض من فيض مما يحدث كل عام مع بدء موسم الحج؛ حيث تستنفر الطاقات والجهود وينفق الكثير من الأموال التي تصرف على إعادة البناء.. ولكن لا تلبث أن تنتهي أربعة أيام الحج حتى يطلب من المطوفين هدم وردم كل ذلك وتسليم الأرض فضاء نظيفة..!! فهل فكرنا يوما في مدى الهدر الكبير الذي يحدث كل عام من جهود وطاقات ووقت وأموال جراء عمليات البناء والهدم والردم، بل ورمي المخلفات بعيدا عن المشاعر!!

وكم من مطوف شعرت بالدمعة تكاد تفر من عينيه، لأنه سيخرج من الموسم بخسارة كبيرة جراء الإنفاق؛ لأن راحة الحاج عنده فوق أي اعتبار... إن هذا النوع من المطوفين ليس بحاجة إلى فرق المراقبة والمتابعة في الوزارة أو المؤسسة لمراقبة أعمالهم وتصيد أخطائهم، ويفترض أن يكونوا سندا لهم يعينونهم ويساندونهم في توفير الكثير من البنى التحتية الأساسية التي يفترض أن تقوم بها جهات أخرى.

يومان وستبدأ - لا محالة - عملية الهدم والردم والإزالة. ولكن إلى متى سيستمر مسلسل الهدر هذا؟ لماذا لا تضع وزارة الحج والعمرة خطة بتوزيع المخيمات على الأقل لكل مطوف لمدة 4 سنوات دون تبديل أو تغيير في الموقع ليستفيد مما أشاده وبناه.. وأن يبدأ في تجهيز مخيمه مبكرا، فالذي يحدث كل عام أن يصاب الجميع بحالة بيات شتوي ولا يستيقظون إلا في شوال وذي القعدة وتبدأ عمليات الصيانة واستنفار للجميع وربما لا تنتهي أعمال الصيانة إلا وقت وصول الحجاج.

هناك مثل إنجليزي يقول: (use it or lose it)، أي استخدمه أو سوف تفقده، وهذا ينطبق على كل شيء.. فحتى العقل حينما لا يستخدمه الإنسان بالتفكير فإن آلافا من الخلايا العصبية تموت، ولهذا نصاب بالزهايمر وأمراض أخرى.. وكذلك الحال بالنسبة لبقية أعضاء الإنسان.. وحتى بالنسبة (للبناء) إذا هجر المكان دون استخدام متزن حتما سيتلف. ولكن لو كان للمطوف الحق في مخيمه فلربما طوال العام ينظمه، وينظفه، ويكتشف ما به من خلل في وقت مبكر ويقوم بأعمال الصيانة ويوجه الجهات ذات العلاقة مثل: شركة الكهرباء والمياه والدفاع المدني وغيرها بإصلاح الخلل بدلا من تحديات سباق الزمن.. ورمي المسؤولية من كل جهة على الأخرى، ويبقى المطوف تائها بين تلك الجهات.. بل ربما يغرم المطوف الآلاف من الريالات.

أعتقد أن أسلوب الهدر هذا لا يتوافق مع الخطة الوطنية للتحول الوطني 2020 التي تتطلب ترشيدا للاقتصاد والإنفاق المتزن.. فمن يوقف مسلسل الهدر هذا؟؟ والله أكبر ولله الحمد.

مكة 1437/12/10هـ