الطريق إلى مكة المكرمة

كان ظني أن محمد أسد سيشرح طريقه إلى مكة للحج، أو طريقه إلى الإسلام، كان يهوديا يدعى ليبولد فايس، ولد ونشأ في النمسا؛ لذا وضعت كتابه مع كتب المستشرقين وظللت أرجئ قراءته.

كنت أجد ريبة في معظم كتابات المستشرقين، وأنها يجب ألا تقرأ بمعزل عن ظروف وأسباب حضورهم للمنطقة، بالخصوص من أتى منهم للحج مدعيا الإسلام وله مآرب أخرى، منهم الإيطالي فارتيما حضر باسم يونس المصري، والسويسري بيركهارت تسمى بإبراهيم والإسباني ليبليج بعلي العباسي، والهولندي سنوك، يقال إنه أسلم، حضر إلى مكة لكتابة تقارير عن حجاج إندونيسيا مستعمرة بلاده، والبريطاني فرنسيس الذي حج باسم عبدالله، وهو غير الفرنسي كورتلمون الذي كشفه المكيون منتحلا اسم إبراهيم البشير وكتابه المعنون رحلتي إلى مكة.

قصة محمد أسد مختلفة تماما، كان الرجل قد أسلم مبكرا، عمل مراسلا لصحف أوروبية عدة من أماكن كثيرة في المنطقة، ثم عمل دبلوماسيا للباكستان بعد أن تعاون مع الشاعر الكبير إقبال لتأسيس جمهورية إسلامية في باكستان، وكلفه الملك المؤسس عبدالعزيز ببعض المهام، ثم استقال من عمله مندوبا لباكستان في الأمم المتحدة ليتفرغ للكتابة.

لم يكن هذا الكتاب، صدر العام 1954، سيرة ذاتية، ولا قصة إسلامه، بظني أنه كتبه كطريق للآخرين إلى مكة، للغربيين تحديدا لرفع غشاوة فهمهم للإسلام.

لفتني حديثه عن نشوء عقدة الإسلاموفوبيا عند الغربيين، بالطبع لم يستخدم الكلمة المحدثة، لكن قصد العداء للإسلام وكيف ترسب في اللاوعي لديهم، تجدهم يدرسون ديانات الشرق القصي، بل يتفهمونها وبعضهم قد يعتنقها، لكن عندما يدرس الإسلام يتذكر عقله الباطن الحروب الصليبية التي استمرت قرونا، تغذى فيها العقل الأوروبي كراهة الإسلام والمسلمين، وتجد أعتى متجرديهم وأكثرهم موضوعية لا يمكنه الخروج من أغلال حقبة الحروب الصليبية.الملفت أكثر أنه برغم تقدم دراسات العلوم الاجتماعية والنفسية في الغرب، لم يزل كثير من الكتاب والمثقفين الغربيين أسرى عداء ديني أذاعه ملوكهم وقادتهم، وأسرى تصورات ما كتبه المستشرقون ومعظمهم جواسيس حضروا لمهام محددة ليس من ضمنها تفهم الشرق العربي والإسلام.

بدأ العداء دينيا، كما لاحظ أسد، وتطور إلى فكري ثقافي، ولا أقول حضاريا، فالحضارة الحالية لا جنس لها، فكل العالم ساهم فيها، والحقيقة أنه لم يتطور إذا علمنا السبب الحقيقي للحملات الصليبية وهو السيطرة على خيرات الشرق، أي أنه سبب اقتصادي في الأساس، وحاليا يستخدم الغطاء الفكري والثقافي للهدف الاقتصادي ذاته، فمتى يفيق الغرب من استغلاله، ومتى يفيق الشرق من سباته؛ ليرسما طريقا مشتركا لتبادل المنافع؟

عكاظ 1437/12/7هـ