الحج فيه منافع للناس
كلنا يعلم أنه في حج هذا العام وبسبب الزحام والتدافع سقط المئات قتلى وأكثر منهم جرحى، واستغلت أجهـزة الإعلام الإيـرانية هذا الحادث المؤسف أسوأ استغلال، وتناست ما حصل لأتباعها في مسيرتهم نحو (العتبات المقدسة)، عندما تدافعوا وتساقطوا من على جسر الأئمة، وهلك منهم الآلاف قتلى، وأكثر منهم الجرحى، بل وفي ملعب كرة القدم بطهران قتل المئات بسبب فوضى الزحام.
وبالصدفة فإنني أقرأ في هذه الأيام كتابا بعنوان: (ستة أشهر في الحجاز)، وهو مذكرات لمغامر ايرلندي اسمه: (جون فرايركين)، وشارك في موسم الحج عام (1877).
وإليكم مقتطفات منه لتعكس لكم صورته في تلك الأيام، وكأن التاريخ يعيد نفسه وهو يقول: كان اليوم الجمعة 14 ديسمبر وهو يوم (الوقفة)، وفي 13 من الشهر اجتمعت أعداد كبيرة من كل الأمم في صعيد واحد حتى كاد وادي مكة الصغير ينوء بهم، وامتلأ تماما فلم يبق فيه مكان لقادم جديد، وخلال أربع وعشرين ساعة غادر ذلك الحشد المكون من مائتي ألف من الأشخاص، وما لا يقل عن ستين ألف جمل ومثلهم من الحمير والخيل والبغال، وشاهدت على جوانب الطريق إلى عرفات جثث الحيوانات النافقة، وقبور الموتى الذين دفنوا على عجل.
ويمضي قائلا: الكارثة الكبرى حصلت في (النفرة) عصرا، حيث أصبح الزحام عظيما، وازداد الضغط أكثر وأكثر حتى كنت تشعر أن كثافة البشر تحملك نحو الأعلى فعلا، بينما كان الأشخاص في المناطق العليا يتحملون العبء الأكبر في النزول نحو الأسفل، وقد صعدت العديد من النساء فكان مصيرهن السحق، بينما قضى العديد من الأشخاص دوسا بالأقدام ودفعوا نحو صدوع الصخور التي مزقت أجسادهم، وحانت مني التفاتـة فرأيت الرجال يخلعون القطعة العلويـة من إحرامهم ويلوحون بها فوق رؤوسهم وهم يصرخون مستنجدين قائلين: يا الله ، يا الله ، بل إن الكثيرين منهم من شدة المعافرة فقدوا حتى القطعة السفلية من إحرامهم، وأصبحوا مثلما ولدتهم أمهاتهم.
ويؤكد أن أكثر الحجاج عنفا هم الأفارقة، وأكثرهم سلاسة هم القادمون من جنوب شرق آسيا، وأكثرهم حبا للتجارة القادمون من الشام، أمـا العجم فهم يتحركون ويمشون في مكة فتحف بهم الريبة ونظرات الشك وذلك بسبب معتقداتهم الغريبة التي كانوا يخفونها ويحافظون على سريـتها، فكانوا يصلون في جماعات خاصة بهم.
أما البدو في مكة فإنك تحس أنهم في عالم آخر، إذ تراهم يمشون بخفة وعلى وجوههم تكشيرة ونظرة المتفاجئ المستغرب، ثم يعودون إلى ظلال الشجيرات وهم يسبون ويلعنون الجنود الأتراك بألفاظ شديدة السوء.
وما أثـار استغرابي هو رجل من كبار الباديـة، عندما أبدى تذمره من ارتفاع الأسعار وكيف أن (العبد) كان يشترى العام الماضي بـ (40) ريالا، والآن قفز السعر إلى (60) ريالا.
وعندما سألته: هل أنت أتيت تحج والا تشتري عبيد؟!، أجابني (من طرف خشمه) قائلا: إنني أحج وأشتري وأبيع، فالحج فيه منافع للناس – انتهى كلام مستر (جون.......) –.
أما بالنسبة لي فإنني أفهم وأستسيـغ مقولة: (حج وبيع سبح)، ولكنني لم أهضم إطلاقا مقولة: (حج وبيع عبيد) ... صحيح كيف تركب ؟!.
عكاظ 1436/12/21هـ