على خطى إبراهيم

 

لكل حاج قصة يرويها في الحج، ولكل قصة ما يجعلها حقيقة بأن ننصت إليها، ولا نحس فيها تكرارا، ولا مللا، ومنذ أن شرع الله - سبحانه وتعالى - الحج إلى بيته العتيق، والمسلمون يأمل كبيرهم وصغيرهم غشيان تلك الأمكنة الشريفة، وربما لا تستطيع طائفة كبيرة منهم الإفصاح في كلمات عما يحسه تجاه الحج، وربما أداه فريق منهم، وهو مهموم بدقائق الفقه وما هو ركن فيه وما هو واجب وجائز، غير أن الذي يصدق فيهم أنهم يحسون في نفوسهم شيئا غامضا لا يستبينونه، ولعلهم لا يهتدون إلى الإفصاح عنه، يشدهم ويأخذ بهم إلى هذه الرحلة الخالدة التي يسيرون فيها على خطى إبراهيم الخليل - عليه السلام - يعيدون فيها تاريخ اللحظة الإبراهيمية، يقفون حيث وقف، ويسيرون حيث سار، امتثالا لدين الله، ولو لم يدركوا أسرار تلك الشعائر وما ترمز إليه.


لكن الذي يتفق فيه الحجاج كلهم، ويعرفونه حق المعرفة أن الحج تحمل شعائره معنى «الاكتمال»، وكأنه حالة من حالات «العبور»، يتخطى بها الحاج حياة مضت، ويستعيد فيها زمن الفطرة والطبيعة المحض، يرجع فيها إلى لحظة الميلاد.


والحج على أنه شعائر تؤدى، فإنه يكتظ بالرموز التي تحملنا على أن نتأمل فيه، يجد أحدنا في نفسه القدرة على الإبانة والتعبير، ويعجز آخر عن بلوغ تلك الدرجة، لكن هذا وذاك يحس كلاهما أثر تلك الرموز بل إنهما يعيشانها، ويعيدان طرفا منها فيما يقطعان به حديثهما، وليس ببعيد أن يفكر حاج ألفى نفسه وسط تلك الأمواج يتدفق بها الحج في معنى من معاني هذه الشعيرة، ومن المؤكد أن مشاعر الحج قد استوقفته أسماؤها، فجعل يجيل في خاطره، أو يقطع ساعات ليله يتأمل معاني هذه الأسماء الحبيبة «منى» و»عرفات» و»المشعر الحرام»، ويخلع عليها ظلالا من المعاني، فيها الطرافة، وفيها ما يجلو لنا موقع الحج في وجدان المسلمين، وإن أيسر تأمل في هذه الأسماء يجعله متأملا عظيما، ولا عليه في ذلك من بأس فالحج ينطوي على طبقات من الرموز، تبوح ببعض أسرارها لمن جد في تأملها وكابد في تأمله.

صحيفة مكة 1436/12/5هـ