يا راحلين إلى منى

ما إن اقترب عبدالرحيم البرعي من مكة، حتى فاض به شوق سكبه في هذه الأبيات التي سالت على صفحات التاريخ:
يا راحلين إلى منى بقيادي
هيجتموا يوم الرحيل فؤادي
سرتم وسار دليلكم يا وحشتي
الشوق أقلقني وصوت الحادي
ولم يكمل البيت الثالث عشر حتى لفظ الشاعر اليمني نفسه الأخير.

الحج هو الرحلة الكبرى إلى عفو الله تعالى، يمتطي الحاج فيها أمله، و يتزود بالرجاء، فهذا ابن الأمير الصنعاني يرفع يديه إلى الله:
قصدتك مضطرا وجئتك باكيا
وحاشاك ربي أن ترد بكائيا

وهذا أبو نواس، يخلع مجونه بعد أن استشرف عظمة بيت الله، ليصوغ من توبته تلبية عذبة:
إلهنا ما أعدلك
مليك كل من ملك
لبيك قد لبيت لك
لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك
ما خاب عبد سألك

لينهي شاعر الغزل والخمريات حياته بعد ذلك بابتهال يقطر شجنا:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن
فبمن يلوذ و يستجير المجرم

لكن التوبة لم تطرق باب الشاب المدلل عمر بن أبي ربيعة الذي اعتاد أن يطارد الفتيات في صحن الطواف:
قف بالطواف ترى الغزال المحرما
حج الحجيج و عاد يقصد زمزما
بدرا إذا كشف اللثام رأيته
أبهى من القمر المنير وأعظما

ومن ذلك الزمن الذي كان الحاج يودع أهله في الهند في جمادى الأولى على ظهر سفينة تتلاعب بها الأمواج، ننتقل إلى حاضرنا المترف، لنختتم بقصيدة بيرم التونسي (القلب يعشق كل جميل):
دعـــانـي لبيتـه
لحـد بـاب بــيـتـه
ولــمـا تـجـلى لــي
بالــدمـع نـاجـيـتـه.
وتقبل الله مناسككم..

 

عكاظ 1436/12/4هـ