يوم وقعت الرافعة

 

كل شيء حدث مع آخر ساعات الجمعة الماضية، بداية اكفهر الجو وتلبد بطبقة غبار كثيفة مصحوبة برياح شديدة وصلت سرعتها لنحو 80 كيلا في الساعة، ثم فجأة هطل المطر غزيرا كأنما فتحت أبواب السماء تصبه أنهارا بمعدل 40 ملم كما جاء في الأخبار، وهي كمية قياسية لمكة المكرمة. وكما بدأ الأمر سريعا انتهى سريعا، ربما ساعة أو ساعتان وتوقف كل شيء، لم يخطر على البال أن يخلف كل هذه الآثار، ثم أتت أخبار انهيار الرافعة بالحرم الشريف بكل الحزن والفجيعة المصاحبة لها.

لنترك التحقيق فيما جرى وكيف جرى يأخذ مجراه برغم أن معظم المصادر أكدت أن سرعة الرياح هي السبب في السقوط المروع للرافعة، وبرغم نتوء بعض الأسئلة مثل لم رافعة واحدة فقط سقطت وتماسكت البقية، وهل كانت هي الوحيدة المتحركة والأخريات كانوا على قواعد ثابتة، ولم لم يتوقف العمل مع دخول زحمة الحج، والسؤال الأكثر إلحاحا هل طبقت وسائل السلامة المطبوعة على هذه الروافع الضخمة بطيها ساعة هبوب الرياح أو وصول سرعتها لدرجة معينة.

لنترك كل هذه الأسئلة وغيرها كثير للجان التحقيق، وندعو بالرحمة لشهداء الواقعة وبالشفاء للمصابين، ومسؤولية الشركة المنفذة عن تكاليف ديات المتوفين ، وما نحسبهم إلا شهداء الهدم، كما في حديث المصطفى عليه السلام، ومصاريف علاج المصابين وتكلفة مواصلة مراسم حجهم وعمرتهم، حتى لو ثبت أن الرياح هي السبب الوحيد لما حصل، لأنه حصل في ميدان عمل الشركة.نترك الحادثة ومأساتها بذمة لجان التحقيق لنتأمل فيما أفرزته من جهود مضيئة على أطرافها، جهود مضنية لرجال أمننا وطواقم الإسعاف والدفاع المدني التي واكبت التداعيات المؤلمة، هذا التجاوب السريع والمذهل لمجتمعنا المدني رجالا ونساء، فبمجرد الإعلان عن الحادثة تشكلت عشرات اللجان الشعبية العفوية للمتطوعين وتوجهت نحو المسجد الحرام للمساعدة في الإنقاذ والإسعاف، وإلى المستشفيات لمساعدة الأطقم الطبية والتمريضية، كيف وبمجرد الإعلان عن حاجة مستشفيات العاصمة المقدسة للدم تدافع الآلاف لتقديمه ، وكم كانت صور وقوفهم طوابير طويلة أمام غرف التبرع بالدم مدهشة ومؤثرة، وخلال ساعات قليلة أعلنت المستشفيات اكتفاءها وإرجاء التبرع لليوم التالي. لهؤلاء جميعا أرفع التحية والشكر وقد تناقلت وكالات الأنباء الأجنبية صور جهودهم وبذلهم في سبيل ضيوف الرحمن وضيوفهم ، مما هو ليس بغريب على مجتمع مكة المكرمة المدني فالتاريخ كتب لهم صفحات قديمة وحديثة مضيئة يستحقون عليها أوسمة التقدير والعرفان.

عكاظ 1436/11/30هـ