عبدالله أبكر .. ذكرى المكان

 

هذا البلد الأمين قطعة من الأرض هي للسماء.. مكة التي ملكت القلوب وسلبت الأفئدة إجلالًا ومهابة فهي بحق عاصمة للمسلمين في الطهر والنقاء.
ابن بطوطة في رحلته الشهيرة إلى مكة يصور بعبارات هذا البلد الأمين.. ومن عجائب صنع الله أنه طبع القلوب على النزوع إلى هذه المشاهد المنيفة والشوق إلى المثول بمعاهدها العريقة وجعل حبها متمكنًا في القلوب، فلا يحلها أحد إلا أخذت بمجامع قلبه، ولا يفارقها إلا أسفًا لفراقها متولهًا لبعاده عنها، شديد الحنين إليها ناويًا لتكرار الوفادة إليها.. فأرضها المباركة نصب الأعين ومحبتها حشو القلوب.. حكمة من الله بالغة.. وتصديقًا لدعوة خليله عليه السلام.

كتاب.. أزقة مكة.. صور وحكايات من عبق التاريخ.. الذي ألفه الحبيب عبدالله أبكر وصدر حديثًا وعبدالله من أبناء مكة عاش حياتها وتفاصيلها وصورها وحكاياتها.. ويكفي ذلك أنه عايش الزمن ولفترة ولا تزال تلك الأزقة والأماكن محصورة في الذاكرة والخيال وحاضرة في قلوب من عشقها وعاصرها وتربى في احضانها وعلى ترابها وداخل دور ورواشين تلك الحارات الاصيلة والجميلة بسكانها.
والكتاب يتحدث عن حياة الناس في تلك الازقة الغابرة ويحكي صورًا اجتماعية واقتصادية وجغرافية وأدبية.. وقيمًا أخلاقية كانت متجسدة في هذه الأزقة وأخرى مرسومة على جدارها ودكاكينها.. وقد ظلت عبر التاريخ إلى زمن قريب.

عبدالله أبكر في هذا الكتاب الأنيق أبدع في تقريب صور تلك الأزقة وما يدور فيها وما يقال عنها في أحاديث الناس اليومية وما يقصد منها منذ الصباح الباكر خصوصًا الأزقة المتحركة مرورًا بالأزقة العامة.. وانتهاء بالأزقة الصامتة تمهيدًا للعودة إلى البيوت.
انها حياة البساطة والمحبة والرقي.

مؤلف هذا الكتاب.. عبدالله أبكر في مقدمته.. يقول: «نعم يرحل الإنسان ولكن تبقى أعماله ومحاسنه وفضائله.. وان كان قد عاش قليلًا.. تبقى ذكرى له في التاريخ على مر الأجيال.. تبقى صور انسانيته مختزلة وتنتظر من يشرحها، هذه الأزقة هي خلاصة تاريخ اجتماعي وثقافي وجغرافي ومعماري وحضاري بالنسبة لمناخ مكة المتحرك على مر العصور.

وهي أيضًا خلاصة ماضٍ كان على إثره الحي وثراه الطيب نشأة رجالٍ على الأصالة والقيم وصناعة الأدب والعادات والتقاليد الاجتماعية المنسوجة على أسس العادات الدينية ولا يمكن أن تنفك عنها أبداً.

شكرًا عبدالله لهذه الصور بروح الحب وبغية المتعة وبحثًا عن السيرة الذاتية للمكان.

صحيفة المدينة 1436/11/1هـ