وأما بنعمة ربك فحدث..

 

على هامش الحفاوة التي أظهرها المكيون في احتفائهم بزيارة خادم الحرمين الشريفين، وما اعتادوا على الفخر بعرض التنوع في التراث المكي في الثقافة والمأكل والملبس ، في مثل هذه المناسبات، يظهر جليا مدى التعطش لإحياء ما في ذلك التراث من تفاصيل والتعرف على ما فيه من خصوصيات، ليس لمن هم من غير المكيين فقط، ولكن للجيل المكي بقديمه وجديده.

فالجيل الجديد لم يصلهم من ذلك التراث إلا حكايات تروى ومظاهر يتزين ويترنم بها. والجيل القديم يرى فيها ذكريات تجتر، تستثير من الماضي عبقه وحكاياته.

السؤال الذي فرض نفسه في هذه المناسبة وكل مناسبة يلوح فيها هذا الارتباط بين الجميل بالماضي التليد والغد المشرق ، ترى ألم يأن الأوان لكي تتضافر جهود أمانة العاصمة وغرفة مكة التجارية لكي يكون هناك عرض مستمر على مدار العام للحياة المكية بكل أطيافها ومكوناتها الأصيلة والأصلية؟. ليس تمثيلا مصطنعا كما نراه في بعض المهرجانات التراثية السنوية، ولكن تفعيلا حقيقيا للمهن التي تكاد تنقرض، وصلة وصل بين أربابها القدامى من ناحية، وتعريفا لممارسيها الجدد بالأصول والجذور.

ما رأيناه بالأمس، أثبت أن هناك إمكانات كامنة تنتظر بتوق وتلهف التشجيع والدعم الذي لا يرقى لمرتبة الاستحالة ولا الصعوبة لأمانة العاصمة المقدسة وغرفة مكة التجارية بتجارها ورجالات أعمالها.

وأذكر هنا بمبادرة جميلة للإخوان في مجموعة معاد للعناية بالتراث والهوية المكية، تصب في هذا المنحى وتتمثل في إحياء مسار المدعى بما فيه من حرف وصناعات وتواصل اجتماعي وثقافي وحضاري، بين المكيين أنفسهم وبين المكيين وقاصدي أم القرى.

ولعل هذه المبادرة تكون الأولى في مكان التقاء الثقافات، لكي تتبعها مبادرات مماثلة في كافة مدن المملكة المختلفة لكي تكون مدرسة ومكتبة تراثية حية للتعريف والتواصل بين جيل سابق كاد أن يندثر بكثير من فعالياته الجميلة وبين جيل جديد قادم كادت أن تستهلكه بهارج الحياة ومظاهرها وتتركه بلا جذور يرتبط بها أو أصول يستشعرها.

ليس عرضا للفرجة ، ولكنه تواصل فعال وعملي بين الأجيال يعرفها بهويتها وتراثها ، في بلد أصبح سعيه للتطور المستمر فيه سمة والتغير المطرد لديه عنوان. فهل نرى تجاوبا فعليا من أمانة العاصمة المقدسة ورجالات التجارة والأعمال في أم القرى ، أم أنها ستكتفي ببعض الصور الباهتة التي ننفض عنها الغبار لكي نعرضها بشكل موقت في كل مناسبة واحتفال والتي تذكرنا بالمعارض المدرسية السنوية !

صحيفة مكة 1436/8/15هـ