فقيدا العلم والأدب

لم يكد يمضي شهر جمادى الآخرة من عامنا هذا، دون أن تذرف أعيننا ألما لغياب نجمين أنارا بعلمهما القلوب قبل العقول، ولم نكد نبدأ بتجفيف دموع فراقنا لأستاذنا الدكتور فؤاد سندي حتى جاء الخبر المؤلم بفراق شيخنا السيد/ عباس المالكي وهو العالم الفقيه المنشد في المديح النبوي، الذي شهدت جنازته لمثواه الأخير حضورا كثيفا من مختلف شرائح المجتمعات السعودية والعربية والإسلامية، وقال عنه كثيرون من داخل المملكة وخارجها ليتنا كنا طلابا لديه فننهل من معين علمه ونسقي ظمأ جهلنا.


كان عالم اللغة والأدب الأستاذ الدكتور فؤاد محمود سندي أول من انتقل لمثواه الأخير، وبعدها بأيام قلائل وقبل أن يمضي الأسبوع الحزين، جاءت دموع الفراق مجددا معلنة وفاة فضيلة السيد/ عباس بن علوي المالكي الحسني، ولم يكن أمامنا سوى الدعاء لهما بالرحمة والغفران وأن يجزيهما الله خير الجزاء لما قدماه من علم ينتفع به.


والعالمان الفاضلان وإن كان لي شرف الالتقاء بهما، إلا أنني لم أتشرف بالجلوس أمامهما كطالب علم.


فالأستاذ الدكتور/ فؤاد محمود سندي ـ رحمه الله ـ عرفته في صغري يوم كان معلما في مدرسة الملك عبدالعزيز الثانوية، حينما كنت أتردد على دكان جدي ـ رحمه الله ـ، الواقع بعمارة والده العم محمود سندي بجوار فندق الفتح، وأرى الطلاب يتوافدون عليه عصرا ويخرج معهم لأداء صلاة المغرب بالمسجد الحرام، وعرفت إخوته عبدالرحمن وياسين وعبدالله ـ رحم الله ـ من مات منهم، وأمد الله في عمر من بقي.


أما فضيلة السيد/ عباس علوي مالكي ـ رحمه الله ـ فقد تشرفت بحضور بعض الأمسيات التي كان يشرفها بحضوره، وينشد المديح للرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم.


وللعالمين الفاضلين مكانتهما داخل المملكة وخارجها، وهذا ما عرفته بعد وفاتهما فكان الاتصال الهاتفي الذي وصلني من أخي الدكتور زكائي غول من تركيا الذي قال فيه: رحم الله الدكتور فؤاد سندي فقد كنت أتابع برنامجه الإذاعي «لمحات لغوية من القرآن الكريم»، ورغم أنني تعلمت اللغة العربية بالمملكة حينما كنت طالبا، إلا أنني اكتشفت بان جل ما تعلمته لم يكن بالمستوى الذي أطمح إليه فاللغة العربية مليئة بالأسرار.


وواصل أخي الدكتور زكائي قائلا: إن كنتم في مكة المكرمة والمملكة العربية السعودية فقدتم عالما لغويا، فإن العالمين العربي والإسلامي فقداه أيضا، فلهما طلابه ومتابعوه وبأنحاء العالم أيضا.


وإن كان السيد/ عباس المالكي ـ رحمه الله ـ قد ألف كتابا بعنوان «هكذا كانوا» صور من خلاله الحياة الاجتماعية بمكة المكرمة لمدة تزيد عن القرن، فإننا اليوم نقول ونحن نرى جموع المعزين الذين توافدوا من كل حدب وصوب، لتقديم واجب العزاء،


هكذا كنت يا سيد عالما فقيها وأستاذنا بليغا، ومنشدا لطيفا، أحبك الجميع لحسن علمك وجمال خلقك، وكرم أصلك، وليس لنا سوى الدعاء لك بالرحمة والغفران وسكن الجنان جزاء ما قدمت من علم ينتفع به.


ودعواتنا لشيخنا السيد/ أحمد محمد علوي مالكي بأن يتولى المسؤولية ويكون خير خلف لخير سلف، فهو عالم فقيه وابن عالم فقيه وحفيد عالم فقيه.

صحيفة مكة 1436/7/9هـ