أزقــة مكـــة

 

.. عجبت أن يظهـر كتاب جديد عن مكة المكرمة من أحد أبناء مكة وينسى في العنوان أن يضيف «المكرمة» .. لكن كما قالوا : «شدة القرب حجاب» ، ولشرح هذه العبارة يقول لي صديق إنه لقي رجلا من المنصورة بمصر، وأنه سأله : ما هو أبرز المعالم في مدينة المنصورة ؟ فقال : دار ابن لقمان. فقال الصديق : هل هناك معلم آخر؟ فقال : لا ... يقول الصديق : وبعد أشهـر وقع بين يدي عدد من مجلة «العربي» ووجدت تحقيقا مصورا عن المنصورة، ووجدت أن أهم معالمها هو أن نهر النيل يمر في وسط المنصورة ويشقها نصفين. هنا قال : فعلا شدة القرب حجاب لأن ابن المنصورة لا يدرك ولا ينتبه إلى هذه الحقيقة البارزة لكل ذي عينين.

نعود إلى الكتاب واسمه «أزقة مكة .. صور وحكايات من عبق التاريخ».. وهو كتاب بديع بكل معنى الكلمة اجتمعت فيه الصورة الفوتوغرافية والتوثيق والتاريخ والاجتماع والأدب والجغرافيا ..

وواضح أن المؤلف عبد الله محمد أبكر قد بذل جهدا كبيرا في جمع مادته والغوص في مصادره التاريخية عن مدينة مكة المكرمة وأيضا تسجيل تاريخي شفاهي في الكتاب .. علاوة على نحو 170 صورة لمواقع أزقة وأماكن بحارات وأحياء مكة المكرمة معظمها قد أزيـل في توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز ــ تغمده الله بواسع رحمته ــ .

ويدعم المؤلف نظرته لموضوع الكتاب بدليل من الكتاب الكريم حيث يقول :يقول تعالى في كتابه العزيز في قصة الملأ من بني إسرائيل : { وقال لهم نبيهم إن آيةَ ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين } ، وجاء عن ابن عباس رضي الله عنه عن هذه الآية : قال عصاه ورضاض الألواح ..

وعن أبي صالح قال : كان في التابوت، وهو صندوق التوراة، عصا موسى وعصا هارون، وثياب موسى وهارون، ولوحان من التوراة والمن. وقال ابن عطية : الصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتقوى، وعن ابن عباس قال : السكينة الرحمة.

وعنه قال : السكينة الطمأنينة. وعنه أيضا : (سكينة من ربكم) : طست من ذهب من الجنة، كان يغسل بها قلوب الأنبياء ألقى الألواح فيها.

ونجد أن الله سبحانه وتعالى لم يكتفِ بقوله : (وسكينة من ربكم) فقط بل قال : (وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ) ألا تكفي تلك السكينة التي هي من عند الله تعالى ؟

هذه البقية هي الموروث من السلف إلى الخلف، وهو أثر من آثار السابقين، وفي ذلك دلالة على أهمية ربط الخلف بالسلف عن طريق الآثار والتراث المتبقي من الأسلاف.

السطـر الأخـير : خـل جنبـيك لـرامٍ ... وامـضِ عنه بسـلاممت بداء الصمت ... خير لك من داء الكلام.

عكاظ 1436/6/24هـ