الواقع السحري للأزقة الأخيرة
عندما تلتبس الحياة، يصبح من الصعب التفريق بين الأشياء. قد تكون متشابهة، ولكنها بالتأكيد لا يمكن اعتبارها شيئًا واحدًا. يحدث هذا في الأمور الكبيرة المعقدة وفي الأمور الصغيرة البسيطة، كالتفريق بين البقدونس والكزبرة مثلًا. لذا ترى من يبسِّطها على نفسه فيأتي باسم (الكزدونس) الذي يذيب الفوارق، ويريح الذهن من تميّز الأشياء، وصعوبة التفريق.
ولكن الحلول ليست بهذه السهولة، "ففي بعض الأمكنة تختلط الأشياء بالتبريرات، فيغدو المشهد مفتوحًا على كل الاحتمالات" (قصة الوعكة)، مثلما حدث في (حوش الجمال) عندما هاج الثور العظيم، فحُرم كثير من الناس من أن يلحقوا الصلاة في الحرم. وفي النهاية وثق الشيخ أحمد النتائج بقوله: "واختفى البقر والغنم، ورُوِّضت الثيران فلم تعد تهتاج. كما اختفى حوش النياق، ويروي شهود مشكوك في ذمّتهم، أنهم شاهدوا صاحب الحوش، يمتطي خنزيرة ألمانية في إحدى الليالي".
تضج مجموعة "نداءات الأزقة الأخيرة" القصصية للقاص والناقد محمود تراوري بشخصيات تكاد تلمسها، إلا أنها في نفس الوقت تكاد تكون من الأساطير الشعبية، أو على الأقل ليست من هذا العصر، وإنّما هي من عصر آخر. ثم يضيع الزمن أو لِنقُلْ يختلط. هذا الزمن الذي يجعلك تلج "زقاقًا معتمًا يضج عتابًا" (الرجل الأنف). ويجعلك تصاب بالدوار، إلا أنه زمن يتيح لك أن "تندهش لفكرة أن أوقات الصخب هي أزمنة الأسئلة التي يمكن الإجابة عنها" (يوم التينة).
هذه مجموعة بالإمكان تصنيفها كتابيًا على أنها نوع من الواقعية السحرية بمكة المكرمة. وبرغم أن الرابط الزمني في القصص يبدو بعيدًا نسبيًا، إلا أنه يُعبّر عن الحاضر الذي نعيشه أيضًا كما في قصة (بنات الحور) التي تتطرق لظاهرة الجهاديين. وهنا أيضًا يتأكد التناقض الذي يعانيه الزمن الحالي، ففي حين أننا نرى العنف شاخصًا، إلا أننا نرى البراءة في قصة (خشب يملأ المكان)، "عندما كانت الأغنية وقتئذ تنبت بين أكفّ الناس، وتزدهر على شفاههم تحت الشمس".
المدينة 1436/6/2هـ