أين تَذهب في مكة المكرمة ؟

الصورة الذهنّية التي يَحمِلُها البعض عن مكة المكرمة شرّفها الله غريبة بَعض الشيء , فهم يتصوّرونها مدينة للصلاة وأداء العبادات والمناسك في المسجد الحرام .. فقط !

وبعد ذلك يُفترض أن لا وجود لمناشط الحياة التي يمارسها الإنسان الطبيعي .

وكأن مدينة مكة المكرمة محطة للزيارة الدينية المحدودة والمقنّنة , تخلو من السكّان !

أقول هذا بعد قراءتي لنقاشٍ في أحد المواقع العربية , إذ طَرح أحدهم سؤالاً يستفسرُ فيهِ عن أمَاكن الترفيه الأسريّة في مكة المكرمة ليقوم بزيارتها أثناء وجوده وأسرته خلال إقامتهم .

كانت الردود والنقاشات حول استفساره مختلفة ومتفرّقة في الآراء .
فمنهم من استنكر عليه السؤال أصلاً , وطالبهُ بحمدالله أن سخّر له زيَارة بيتهِ العتيق , فمَا جدوى إضاعة الوقت في الترفيه خارج ذلك المقصد ؟

ومنهم من انبرى يُشكو كثرة الأسواق وأماكن اللهو وانتشارها في مكة , مروراً بتسميتهِ أماكن أخرى يرى أن وجودها لا يليق بطهارة هذه البقعة المقدسة , وبالطبع أيّدَ في نهاية مشاركته من سبقه في الاستنكار على وجود نيّة " ترفيه " لدى السائل .

ومنهم من اقترح عليه برنامج الترفيه " المحليّ " , فنصحهُ أن يزور الأبراج الضخمة التي تُحيط بالحرم المكي وتناول الطعام فيها وبحسب حديثه أن هذه هي " خَرجات " أهل مكة وزوّارها , وإن أراد أن يَخرج عن منطقة الحرم المركزيّة فعليهِ " بالمواقف " _ المقصود بها مواقف حَجز السيارات الخالية في غير موسم الحج _ أو المخططات الجديدة ففيبعضِها حدائق عامة وألعاب مجانية .

وتَبادر إلى ذهني حينها لو أن أحد ما يود زيَارة مكة المكرمة , وسألني _ باعتبارسكنتي فيها _عن الأماكن التي يُنصح بزيارتها فحتماً لن أجد ما أقوله !

فالأماكن الأثرية اختفت , ونحن مجتمع لنا صراعاتنا التي لن تنتهي حول مشروعية وجودها أصلاً , فضلاً عن حُكم قَصدِها بالزيارة ولا توجد حدائق عامة بصورتها الأصلية لدينا , فالموجودة نُسخ مصغّرة عن ما نشاهدهُ في بقية مدن العالم و " يادوب تكفّي " أهالي الحي مع استحالة وصول زائر إليها لأنها " مخشْخَشة " داخل الأحياء , وأيضاً لا تتوفر لدينا ساحات عامة تقدم نوع ما من الترفيه للأهالي أنفسهم حتى ننصح الزائر بها !

نحن نختلف حتى على مَعنى الترفيه وأشكالهِ ووسائلهِ , لذلك لم يُصنع شيئاً منهُ في مكة حتى الآن .رغم أن هذه المدينة المُقدسة كانت تملك مقوّمات ناجحة جداً في تسويق السيَاحة الدينية الجاذبة , وحبَاها الله تعالى فوق عَظمة مكانِتها تراثاً مَكانياً أصيلاً قلّما نجِد تنوّعه ومشاربهِ العديدة في مدينة واحدة في العالم  ... ولكن !

مقال خاص بموقع قبلة الدنيا مكة المكرمة | بقلم : ضحى الحرازي | نشر بتاريخ 1436/3/25هـ .