متى يُكتبُ تاريخُ علماءِ الحِجاز ؟!
هيّأ الله سبحانه وتعالى للحرمين الشريفين أنْ كانا قبلة المصلين والزائرين للمسلمين من كافة أنحاء العالم الإسلامي ؛ حيث يجتمعُ فيهما ما لا يمكن جمعه من البشر في مكانٍ آخر عدداً وتوجُّهاً ؛ وهذه بحدّ ذاتها نعمة كبرى ومنفعة عظمى في صناعة التغيير على مستوى الدول والأفراد .
وظلّت رحاب المسجدين المحرّمين موئلاً للعلم والعلماء ومقصداً لطلاب العلم وأرباب المعارف والعلوم على مدى قرون الإسلام الطويلة ؛ يشدّون رحالهم لتلك المقاصد العظيمة ، ويقطعون الفيافي والبلدان ليختموا حياتهم بجوارٍ مبارك وعلمٍ شريف وصُحْبةٍ في حِمَى أهلِ اللهِ وخاصّتهم الذين ارتضاهم جيراناً لبيته وبيْتِ نبيّهِ المصطفى عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام .
لقد مُلئَتْ حَصَواتُ وأرْوقة المسجد الحرام بالعلماء الجبال في أواخر القرن الرابع عشر وأوائل القرن الخامس عشر الهجريين ، كانوا مَقْصِد طلابِ العلم من كل أنحاء الدنيا ، وامتدّتْ آثارُهم مع تلاميذهم إلى بلدانهم ، وأصبح علْمُ الحرمين الشريفين مُمْتداً يملأ الخافقيْنِ ؛ وقد دوّن الأديبُ عمر عبد الجبار قبَساً من ذلك النور الذي عمّ الحرمين بسِيَرٍمُوجزة لعلمائه الأجلاء في كتابه "سير وتراجم بعض علمائنا في القرن الرابع عشر للهجرة"كل واحدٍ منهم كان مدرسةً في التربية والتعليم أمثال المشايخ : أبوبكر بن سالم البار ، أحمد ناضرين ، بكر بابصيل ، جمال مالكي ، حسين حبشي ، خليفة النبهاني ، درويش عجيمي ، رحمة الله العثماني ، سالم شفي ، صالح سعيد يماني ، عباس المالكي ، عبد الحميد قدس ، عبد الرحمن دهان ، عبد الله غازي ، عمر حمدان .. وغيرهم الكثير ممن أدرك بعضَهم وترجم لهم في كتابه السابق .
وقد أشار في مقدمةِ كتابهِ إلى أنّ هناك جزءاً آخر للكتاب يَستكمِلُ فيه بقيةَ السّيَر المكيّة لعلماء الحرَم مُتمّماً عِقدهُ الذهبي لذلك العصْر المُزدهر علماً وعلماءَ لم يأخذوا حقهم في ذاكرة أجيالِ اليومِ الذين انقطعتْ صلتُهم بأولئك الأعلام حتى ممّن ينتسبون إليهم دماً لم يتمّموا تلك الصلة بالعلم ونشر نتاج الآباء والأجداد الذين كانوا مفخرة البلاد والعباد ، ومرّت السنوات والعُقود ولم يظهر ذلك الجزء التاريخي المتمّم ! فمتى يُكتبُ تاريخ علماء الحجاز المشرِق المُشرِّف لأجيال اليوم ؟!
وصدق علامة الحجاز السيد علوي بن عباس المالكي حين أنشد :
فللهِ آباءٌ مضوا نحو ربهم
وقد خلفوا ذكراً جليلاً مؤبدا
تحلوا بأخلاق الكتاب وسارعوا
إلى المجدِ يبنون الفخار مشيّدا
فسل مكة الغراء عنهم فإنها
تسجّل في تاريخها الفضل مسندا
وسل عنهم البيت الحرام فكم إلى
دروسهمو من حوله حنّ منشدا
لقد خصّهم مولاهمو بجواره
ففازوا بتضعيف المثوبةِ سرمدا
جزى الله من أجيالنا ذكر مجدهم
ولا زال موفور الكمال مؤيدا
المصدر : مجلة "الرفادة" الصادرة عن الهيئة التنسيقية لمؤسسات أرباب الطوائف في عددها ١١ لشهر محرم ١٤٣٦ للهجرة .