الوحدة.. لا يعرف الشوق إلا من يكابده

شيء غريب وغريب جداً أن يبقى المكيون والوسط الرياضي في المملكة مكتوفي الأيدي، ينظرون لمشكلة نادي الوحدة ولا يحركون ساكناً، بل قد يخوض بعضهم من أجل تعقيد المشكلة، لا أن يجد لها حلاً.

إن نادي الوحدة ما زال يتخبط منذ أن رحل عنه الأستاذ عبدالله عريف رحمه الله، تاركا إرثاً ثقيلاً لكل من جاء بعده.

صحيح أن البعض كان له نجاح إداري جزئي، لكنه غير مكتمل، ففي الماضي كانت الإدارات، قبل عصر الاحتراف، يمكنها توفير الميزانية المطلوبة للنادي، وعلى الرغم من ذلك، فقد كانت مهمة شاقة أيضاً، وازداد الأمر سوءاً عندما سُمح للأندية بأن تتعاقد مع لاعبين أجانب، فاستطاعت الأندية المقتدرة ماديا مثل الهلال والنصر والاتحاد والأهلي أن تجلب أفضل وأغلى اللاعبين البرازيليين والأوروبيين والعرب، فتفوقوا على نظرائهم الذين كانوا يقارعونهم في الميدان (كان الوحدة يهزم الهلال والنصر والأهلي والاتحاد)، وعندما حل عصر الاحتراف على الرياضة السعودية، ازدادت بسببه معاناة الأندية محدودة الموارد، بينما تحسنت الأندية المتخمة ماديا، فهيمنت على البطولات. وحتى تستطيع الأندية الفقيرة توفير ميزانيتها التي تصرفها على الرواتب وعلى العقود الخاصة بالمدربين واللاعبين والألعاب المختلفة وغير ذلك، فإنها لجأت إلى بيع لاعبيها المميزين للأندية المهيمنة التي جعلت منها (أندية تفقيس) فأغرت لاعبيها بملايين يسيل لها اللعاب، وكلنا يعرف أن لاعبين مميزين كانوا في الوحدة يلعبون حالياً أساسيين في الأندية الكبيرة وفي المنتخب الوطني، أمثال أسامة هوساوي وناصر الشمراني ومهند عسيري وكامل الموسى وكامل المر وعيسى المحياني وغيرهم، كل ذلك بسبب عدم دراسة وضع الأندية دراسة متأنية، قَبل اتخاذ قرار طرح الاحتراف في الميدان الرياضي.

فللاحتراف أنظمته وقواعده في الدول الأوروبية التي قد نكون نفتقدها في بلادنا، لتباين الرؤى وأساليب التطبيق بيننا وبين من يطبقونه في دول العالم المتطورة كرويا.

لذا فإن نادي الوحدة عندما تنتقد إدارته، فإن لذلك أسبابه المتعددة، منها ما ذكرته آنفاً ، ولأن بعض من أداروا النادي يفتقدون المهارة الإدارية الفردية والمهارة الجمعية لإدارة الأندية ، فالإدارة فن رفيع يكتسب ويدرس ، يساعده الدعم المادي ليحققا معا تنفيذ الخطط والانطلاق لتحقيق الأهداف ، وبنظرة سريعة على نادي الوحدة المتخبط حالياً ، والذي تزيده تخبطا الاجتهادات التي تصدر من جهات عدة ، علاوة على تدخل الرئاسة العامة لرعاية الشباب بطرق قد لا تكون مكتملة الدراسة ، لأن تدخلها يكون في معظم الأحيان بإصدار تكليف لشخص ما ليدير النادي لمدة عام أو أكثر أو أقل ، وهذا الحل عبارة عن مرهم يسكن الجراح لكن لا يداويها ، فجراح الوحدة متقرحة تحتاج إلى جراحة عاجلة ، وتأهيل طويل المدى ، لكي يخرج النادي من غرفة العمليات إلى غرفة الإنعاش ، ثم إلى الغرفة المؤهلة للشفاء التام ، ثم ينطلق النادي بعد ذلك ليؤدي دوره في الحياة الرياضية.

إن ما رأيناه خلال العشرين عاما الماضية عبارة عن قرارات لا تسمن ولا تغني من جوع، فقد عايشنا صراعات أدت بالنادي للتدحرج نحو الهاوية ، ثم يفيق ليجد نفسه قد تلقى ضربة قاضية أرجعته لقاع الهوة، والخوف ألا يخرج النادي من هذا القوقعة لسنوات، وقد تنهي مسيرته كفريق منافس قوي، وسنبقى نحن الوحداويين نتغنى على نغمة النادي التاريخي، ممثل مكة.

إن الخطوة الصحيحة الحالية ليست في تعيين إدارة أو شخص يضع رؤية للنادي، فقد شبعنا من التنظير ومن الاجتهادات، الخطوة الصحيحة هي أن يطرح النادي وكذلك الأندية الأخرى للخصخصة، ونفتح المجال أمام رجال الأعمال والأثرياء ليقدموا على هذه الخطوة لإنقاذ الأندية مما هي فيه، ولإعادة البريق الرياضي لجميع الأندية، وليعم الرخاء الرياضي وتتوزع البطولات على الجميع دون حكر لأندية بعينها، فبدون الخصخصة لن تقوم للأندية الفقيرة قائمة بصفة عامة، ولا لنادي الوحدة بصفة خاصة، حتى لو جئنا بإدارة من رجال الأعمال الذين لن يفرطوا في ملايينهم دون مردود مادي أو معنوي بإحراز البطولات، فكرة القدم أصبحت الآن (بزنسا) و(صفقات) و(احترافا).

إنني أؤكد بأن أي حل غير هذا لن يجدي، إلا أن يأتي شخص قادر على أن يصرف من جيبه الخاص مئات الملايين على نادي الوحدة حباً وعشقاً وجنوناً ثم لا ينتظر مردودا لصرفه ، وفي يقيني أن هذا لا ولن يحدث.

صحيفة مكة 1436/3/11هـ