فيك الجيب!

تعقيبا على مقالي الذي كتبته في هذه الزاوية تحت عنوان «الكاظمي والضابط عمر عبد الجبار» الذي أشرت فيه إلى بعض ما جاء في مذكرات الشيخ أحمد الكاظمي -رحمه الله- من معلومات وذكريات عن حقبة ماضية من تاريخ مكة المكرمة ، فلما نشر المقال قبل عدة أيام اتصل بي الأستاذ عبد الرزاق محمد حمزة الكاتب العكاظي المعتزل وابن إمام الحرم المكي الشريف في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة وأضاف إلى ما نقلته عن مذكرات الشيخ الكاظمي وهو بعل شقيقة الأستاذ عبدالرزاق حمزة فقال إن ما كلف به الشيخ عمر عبد الجبار تحت اسم «شرطة حماية الأخلاق» هو فعلا مماثل لما يسمى في بعض الدول العربية «بوليس الآداب» ومن مهامه حماية الآداب العامة من أن تنتهك أو يعتدى عليها، وقد عهد بهذا الأمر في حينه إلى الشيخ عبد الجبار لكونه عمل في السلك العسكري في عهد الشريف حسين رحمه الله ولكونه مربيا ومعلما قديرا فكان حريا بمثله أن يقود إدارة شرطة حماية الأخلاق ، وحتى تسهل الدولة على الشيخ عبد الجبار مهمته الأخلاقية الأمنية التربوية ، فقد سلمته سيارة جيب لم يعط مثلها لغيره من المسؤولين في الإدارات الحكومية إطلاقا فكان الجيب هو السيارة الوحيدة التي يمتطيها مسؤول إداري أمني في شوارع أم القرى التراثية التي كانت ترش بالماء لتهدئة ما فيها من تراب وغبار متطاير، وكان الشيخ عبد الجبار مرتبطا إداريا بمدير الأمن العام في حينه المدعو «مهدي بيك»، فإذا جاب بسيارة الجيب الشوارع ورأى في بعض زواياها ما يريبه من تجمعات وصخب وسهر توقف عند تلك الزاوية أو الزقاق لسؤال المتجمعين عن سبب تجمهرهم وصخبهم في وقت متأخر من المساء وقد يقضي الموقف أخذ بعضهم إلى القسم للتحقيق معه والتأكد من أن الأمور على ما يرام، ولذلك فإن بعض الأشقياء إذا ما شاهدوا الجيب قريبا من شارعهم أو حارتهم همس الواحد منهم في أذن جليسه بقوله: فيك الجيب!

وهذه الجملة قد تعني وجوب التفرق قبل الخضوع للمساءلة أو التوقيف ولكن شرطة حماية الأخلاق لم يقدر لها أن تستمر وتتطور وتصبح «شرطة آداب» فحل محلها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي هيئة ذات مهام جليلة، ولكن تجاوز بعض المنفذين جعلها محل فقد مستمر من المجتمع فهل يكون الحل في العودة إلى شرطة حماية الأخلاق؟

وبما أن الشيء بالشيء يذكر فقد هاتفني الأستاذ الصحفي المعتزل إدريس الناصر بعد قراءته للمقال نفسه وأشار إلى أن الشيخ عمر عبد الجبار لم يبدأ مشروعه لمدارس البنات في الزاهر وإنما في حي أجياد «بير بليلة» بجوار موقع فندق الشهداء حاليا وأنه كان يملك عمارتين سكن في إحداهما وأنشأ في الأخرى مدرسة صغيرة للبنات ولما أراد التوسع في فصول المدرسة نقل مشروعه إلى حي الزاهر وأجّر مبنى المدرسة بأجياد على الأستاذ أحمد زكي يماني عند تخرجه من الجامعة وقبل توليه وزارة البترول وأن الناصر الذي هو الآخر من حي أجياد كان يرى الأستاذ اليماني أدام الله في عمره وبارك في صحته ونفع بعلمه، وهو يسير راجلا في منتهى الجمال والأناقة متجها إلى المسجد الحرام الذي يبعد خطوات عن سكنه المستأجر، ثم ما لبث أن تولى مقاليد وزارة البترول فلم يعد يرى في أم القرى إلا في النادر فسبحان مغير الأحوال!

عكاظ 1436/3/6هـ