تواضعوا يا الأجاويد !
تنادى عدد من رجل الأعمال في أم القرى ومنهم من تربطني به أواصر صداقة ومودة، إلى إنشاء جامعة أهلية في مكة المكرمة، وعقدوا لذلك عدة اجتماعات نشرت بعض الصحف تفاصيل ما دار فيها من حوار حول المبالغ المطلوب تأمينها للمشروع والأرض التي سيقام عليها والتخصصات التي سوف تدرس في الجامعة المقترحة.
وعلى الرغم من الحماس الشديد وربما النوايا الحسنة التي قادت أولئك الأخوة للتنادي بطرح فكرتهم للمناقشة والتداول إلا أن واجب المناصحة يملي على من يحمل لهم المودة أن يكون في حديثه معهم شيء من المصارحة، ولذلك فإني أود تذكير الجميع بأن رجال الأعمال من جدة تنادوا ذات يوم لإنشاء جامعة أهلية عندما لم يكن بها جامعة أو حتى كلية، وجمعوا مالا واقتنوا أرضا ولكن مصاريف التسيير والتشغيل كانت أكبر من طاقتهم فانتهى الأمر إلى قيام الدولة ممثلة في وزارة المعارف قبل ولادة وزارة التعليم العالي باحتضان تلك الجامعة الأهلية وانتشالها من الضياع ووضع ميزانية سنوية لها تصرف من قبل وزارة المالية والاقتصاد الوطني فكان ذلك سببا في بقاء جامعة جدة الأهلية التي سميت باسم الملك عبدالعزيز آل سعود وتبع بقاءها نموها وترعرعها حتى أصبحت اليوم شجرة باسقة ذات ظلال وفيرة وثمرات كثيرة.
وكان لمواطنين آخرين نشاط في مجال التعليم العالي ولكنهم تواضعوا فجعلوا بداية مشاريعهم إنشاء «كلية» بأقسام محدودة ، ثم التوسع تدريجيا في الأقسام والتخصصات، وبعد ذلك إنشاء كلية ثانية وثالثة، ولم يعلنوا من الوهلة الأولى أنهم سوف ينشئون جامعة أهلية لأنهم كانوا يعلمون أن الجامعة الواحدة يكلف إنشاؤها المليارات ويكلف تسييرها سنويا مئات الملايين ولاسيما إن اشتملت على عدة أقسام وكليات هذا في حالة كونها جامعة ــ بحق وحقيق ــ أما إن كان المراد بها جامعة مماثلة لما يطلق عليه تجاوزا اسم جامعة في الهند أو إندونيسيا أو دول أفريقيا مع أنها مجرد فصول موزعة في مبنى واحد تقل مساحته وعدد طلابه عن مدرسة ثانوية في بلادنا، ومع ذلك يصر القائمون على تلك المنشآت التعليمية على تسميتها جامعة فهذه جامعة النور، وتلك جامعة أهل الحديث والثالثة جامعة العلوم وقد قدر لي زيارة هذه النوعية من الجامعات فوجدت بعضها لا يزيد عن عشرين حجرة ثلاثة أرباعها فصول دراسية والباقي مكاتب إدارية ومع ذلك يطلق عليها بلا تردد اسم جامعة فإن كان المقصود بالجامعة الأهلية في مكة المكرمة هو هذا النوع من الجامعات فإن كل واحد من المجتمعين يستطيع بناء جامعة خاصة به وإطلاق اسمه عليها ويصبح أيضا مديرها أو رئيسها، ولكن ما فهمته من الأخبار والاجتماعات أن رجال الأعمال المكيين يريدون جامعة فعلية تحتوي على عدة كليات وأقسام، ولذلك فقد كان من واجبهم التواضع قليلا والاكتفاء بالمناداة بإنشاء كلية بعدة أقسام وتخصصات تخدم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعلمية في العاصمة المقدسة فهل هم فاعلون ؟!
عكاظ 1436/2/17هـ