أيـام .. لا ككل الأيام
.. لم تكن حياة الآباء حياة مرفهة ومترفة ماديا، وإنما كانوا مرفهين اجتماعيا، وأغنياء نفسيا، فكان ما ورثوه عن آبائهم وما صنعوه بأيديهم وعقولهم وأفكارهم إبان حياتهم ثم تركوه في مجموعه إرثـا ثقافيا وحضاريا للجيل الحاضر وسيبقى لأجيالهم القادمة عبر التاريخ من بعده.
سطور قليلة، ولكنها في مضمونها أكبر، وأكبر من محتوى الكثير من الكتب التي تقذف بها المطابع للأسواق.
وقد جاءت هذه السطور في كتاب رائع في جميع فصوله، وقد أصدره الصديق الوفي الدكتور عبدالله صادق دحلان بعنوان:«أيـام .. لا ككل الأيامسيرة ذاتية» والواقع أنه وإن كتب الحبيب عبدالله عن الكتاب أنه سيرة ذاتية، إلا أنني وجدت فيه صورة للحياة في مكة أيام زمان ليت شبابنا يطالعونها ليعرفوا الحياة التي عاشها أسلافهم بتواصل كريم وأخلاق نبيلة، حرمنا منها اليوم، ويكفي شاهدا على ذلك هذه الصفحة التي قال فيها: «أما من يجهل الحقائق والشواهد الثابتة وينتقد بعض ما في حارات مكة، أو ينبذ كل ما هو تحت اسم (الحارة) وينتقص من قدرها ويعير أهلها.. فيرميهم بالجهل والتخلف العلمي أو الاجتماعي أو الحضاري وغير ذلك من أساليب الانتقاص، فهو يجهل في الحقيقة فضائل أهل الحارة، ويجحد آدابهم وأخلاقهم وعاداتهم القويمة، وما يصدر عنهم من قيم ومثل عليا، وما أسسوه من مقومات ومقتضيات الحياة الجديدة المستمدة من تعاليم الإسلام، ولكن لا يلبث هذا المنتقص أن يجد نفسه مناقضا وخارجا عن نطاق التمدن والتحضر الإنساني والاجتماعي، بل عن دائرة السلامة من وعيد الله ــ جل وعلا ــ الشديد الوارد في حق من يريد فيه ــ أي الحرم ــ بإلحاد بظلم.
ويدخل في هذه الدائرة أيضا الكاتب بقلمه، والمؤيد للظلم بلسانه، كيف يترك وهو يتعدى على ثوابت التاريخ، ويستهين بما سجله الأوائل في مجتمعهم من كريم الشيم والسجايا من صفات الرجولة والمروءة والنخوة في أنصع صفحاتها الزمانية والمكانية، وما غرسوه من آداب وقيم في قلوب أبنائهم خاصة، وأبناء مجتمعهم عامة».
صادق تحياتي وتقديري لسعادة الأخ الكريم الدكتور عبدالله دحلان على ما سطره قلمه والشكر له على إهدائه الكريم.
السطـر الأخـير: إنما الأمم الأخلاق ما بقيتفإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
صحيفة عكاظ 1436/2/9هـ