السيد عبد الله الجفري بين رجالات العلم والأدب والإعلام

فجعنا ونحن في غمرة الفرح بعيد الفطر برحيل الأديب الأريب والحسيب النسيب السيد عبد الله عبد الرحمن الجفري فقد رحلت معه الكلمات المضيئة والحروف المتوهجة والمعاني البليغة والأحاسيس المرهفة والتعبيرات الراقية والتي كانت تشرق علينا كل صباح بعبيرها الفواح وقد أذن لها الآن أن تستريح بغروبها ليبقى شمس أثرها في النفوس الصافية والهمم العالية والكلمات الصادقة والوجدانيات المتقدة , وقد تحدث عنه كثير الكثير من القوم والصحب ولكن سأتحدث عنه من خلال مقالاته عن جانبه الديني والثقافي وحبه العميق للعلم والعلماء ورجالات من مكة المكرمة وآثارهم المباركة من علم وأدب وفكر وتربية وتعليم وإعلام وفن وأمن وحضور.

بداية فقد رأيته أكثر من مرة في صحبة صديقه الأستاذ عبد الله عمر خياط حاضرا ومستمعا بل ومستغرقا في مجلس دروس الإمام السيد محمد علوي مالكي الحسني عليه رحمة الله وقد عبّر عن حبه الصادق والدفين في أكثر من مقال دبّجه بداية في ظلاله بفرحه بمشاركة السيد المالكي في فعاليات الحوار الوطني الثاني بكلمات قائلا (( جاءت مشاركة عالِم مكة المكرمة الغائب منذ سنوات عن أضواء وسائل الإعلام -خاصة التلفاز- في فعاليات مؤتمر الحوار الوطني الثاني بمكة المكرمة, واللقاء مع سمو (ولي العهد): تصحيحاً من جملة الأهداف التي قصدها من وراء دعوته إلى إقامة (حوار وطني فكري) يضم كافة المذاهب, ويجمع هؤلاء العلماء من أطراف الوطن على كلمة سواء, قاعدتها: الوسطية والاعتدال )) ثم كتب عن حياته مقتطفات منها قوله (( كان السيد علوي عباس المالكي يصحب ابنه السيد محمد في أكثر دروسه، وقد عرفناه منذ ذلك السن: ألمعياً ذكياً يطرح أسئلة الدارس المتعمق في الفقه والدين.. ولم يكن ذلك الفتى/ محمد يبدد وقته في ما لا طائل منه، رغم أنه لا يستثني اللعب في بعض وقت فراغه، ويميل إلى المزاح والروح المرحة التي تغرس فيه بذور العلم بعناية والده، فلا يكون: متجهماً ولا متطرفاً في آرائه وتعامله مع الآخرين.. فالعلم: رحمة، والتعليم: روح... وهكذا وجدنا في شخصية هذا الشاب/ طالباً مجتهداً، يمتلئ رحمة، ويمتاز بروح طلاب العلم وتواضعهم وحبهم للحوار دون الإصرار على أحادية الرأي.... فلما كبرنا: كنا نخطف خطواتنا من الانشغال بالدنيا مهرولين إلى منزله بمكة المكرمة لنحظى بالاستفادة من دروسه اليومية التي يلقيها في جمع من طلبة العلم المواظبين يومياً على حضور حلقة دروسه، وذلك بعد أن تعذَّر عليه إقامة هذه الحلقة في موقع أبيه بالمسجد الحرام!! )) ويوم رحيله قال عنه (( السيد محمد علوي مالكي عالماً رمزاً صوته ينطلق من جنبات البيت الحرام, ومن بطحاء مكة المكرمة, مدافعاً عن يقين فكرته.. وتحولت حلقة العلم في بيته إلى (حضن) لطلبة العلم, ليس في مكة المكرمة وحدها, بل للقادمين من أرجاء العالم إلى نبعه ومعينه العلمي لينهلوا منه.. فإذا دخل زائر على (السيد) في مجلس علمه أو درسه: عبقت في الأرجاء سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم, وأضاء ذلك الوجه الصبوح النوراني... فأصبحت (مكة المكرمة) تبكي كلها صبيحة إعلان خبر وفاته بعد أن فقدت ابنها البار الذي أصر أن لا يبرحها وأن يدفن في تربتها الزكية, فصار كل (مكي): يتلقى العزاء في ابنها!! إنها هذه اللحظة الصعبة الفاجعة بحق التي نعاني منها نحن الأحياء ما بين الحياة والموت: نراوح, في توديعنا لحشاشة: غُرِسَ محبة في قلوبنا وعقولنا.. فلا راد لقضاء الله, فهذه حكمته جل في علاه, في هذا التكوين للحياة واستمراريتها بالحياة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً )) وفي ذكراه العطرة يقول (( وفي مطلع هذا الشهر الكريم/ رمضان المبارك: حلَّت الذكرى الأولى لوفاة ابن مكة المكرمة، وعالمها المميز، وشيخ طلاب العلم فيها.. بعد أن كانت لوفاته أصداء حزن في أرجاء العالم الإسلامي كله... وقد عرف -رحمه الله- بأنه لم يكن يتجنب الحق، ولا يفرُّ منه، بل في خصاله: تحمُّل تبعات الصدق والثبات على الدعوة إلى الله برحابة الإسلام، متمثلاً بدعوة جَدِّه رسول الله/ صلى الله عليه وآله وسلم: - ألا لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه ))

ويختمها في احد أعمدته المنشورة بدعوة إلى تكريمه والاحتفاء به بقوله (( ونحن الكُتَّاب مطلوب منا أن نتعاطف مع هذه الفكرة التي (نبدأ بها) تفعيل تقديرنا لدور السيد محمد علوي المالكي العلمي.. وهو الذي ينتمي إلى أسرة علم كان لها دورها في نشر العلوم الشرعية! لقد كان المسجد الحرام يتلألأ بحلقات دروس العلم الصباحية والمسائية.. فأين ذهب ذلك الوهج، ولماذا اختفت حلقات الدرس؟! إنها مكة المكرمة التي تعلمنا المزيد من الوفاء كل يوم، وتبعث المحبة في نفوس أهلها كل لحظة. مكة المكرمة: كانت هي المدرسة الأولى، والجامعة العظيمة التي قدمت للعلم تلامذة من علماء أجلاء، وتستقبل طلاب العلم ممن أخلصوا النية والدعاء... فلا أقل من أن نكرم أحد علمائها الذين لم يكن يتطلب شهرة، بل دعاء وفائدة من علمه الغزير، هو الذي عرَّف نفسه بـ «خادم العلم الشريف بالبلد الحرام»... رحمه الله ))

وكم رأيناه في مجلس دلائل الخيرات يهيم طربا ويزداد عشقا ويطير فرحا بالمدائح النبوية التي يشدو بها منشد الحجاز السيد عباس علوي مالكي الحسني وغيره من المنشدين في المناسبات الدينية والاحتفالات الاجتماعية فيدعوا إلى الاحتفاء بصاحب الرسالة قائلا (( في احتفاء المسلمين بمولد النبي الحبيب المصطفى «محمد» صلى الله عليه وآله وسلم تغمر جوهر الإنسان نفحات من هذه السيرة العطرة لرسول الله الذي اصطفاه سبحانه وتعالى من بيت رفعة وكرامة ومجد، وهي نفحات تدفع المسلم إلى التفكير في الإخلاص لإيمانه، فالدين: إيمان، وعقيدة، وجهاد. إن إيمان المسلم يتجلى بدينه الذي أعزَّ قيمة الإنسان فيه، وبيقينه من عقيدة منحته تشريعاً قائماً على العدل... فإن الدين والعقيدة به: يضيئان أعماق الإنسان بالإخلاص الذي لا ينقطع لعبادة الله.. تشبثاً بما آمنا به، وبما تيقَّنا من حقيقته، ومن صلاحيته للحياة! )) ويثني على أخينا الجسيس محمد أمان بقوله (( فنان تراثي اختص في فن (المجس), تفرد في جلساته الشعبية بهذا اللون الذي أطلق عليه الباحثون في التراث الموسيقي (الصوت الحجازي), وهو يتطلب, كما قال محمد أمان, مهارات صوتية مختلفة لتأديته ))

أما عن احتفالية الأديب الكبير محمد حسن عواد فقال عنها ((ورغم مرور كل تلك السنوات وظهور العديد من الدراسات النقدية، والفكرية، التي قيمت إبداعاته، وعطاءاته، والتي أشادت بدوره في جيله، ومع أقرانه الذين أنضجوا «صحوة» الفكر والأدب في أرجاء الجزيرة العربية... فهناك من لم يزل يناوئ بالحديث عن «إسلاميات» الأستاذ العواد، وبالتشكيك في شعره، وفي أهدافه!! بينما نجد في أرجاء الدنيا: تجسيداً ملموساً للعرفان بالجميل، وتكريم أسماء وأعمال مثل هذه الرموز التي أقامت الصحوة الأدبية، والتي حملت مشاعل المعرفة والوعي، وأضاءت الدروب والصوى لجيلها، ولأجيال تلاحقت بعدها!! ومن الدلائل على عظمة ما قدمه هذا الرائد من فكر، وأدب، وشعر: ما يثار حول إبداعاته، وإنتاجه الأدبي دائماً من معارك كلامية، ومن حوار، ومن دراسات تشير جميعها إلى أن هذا الرائد قد استطاع أن يشغل الناس، حتى بعد وفاته، وإلى اليوم!! يرحم الله «العواد»... ويفتح علينا في إنجاب مثله!!! ))

والسيد الجفري من وفائه لمعلميه أن أبدع بأحرفه يوم تكريمهم فهاهو يقول عنهم ((عبد العزيز فطاني: لم يكن بالنسبة لنا معلماً، بل كان أباً نهرع إليه لنحتمي، وبقينا هذا الجيل، الذي صار قديماً، نحترم المعلم، ونتفقد أحواله، ونحرص أن نكون الأبناء البررة لمعلمين آباء...)) ويدعو لتكريم المعلم حسن أشعري قائلا (( وكان أصغر معلم في السن، لكنه منذ بدأ مهمته في التدريس: شعرنا به الأكبر في حصيلة المعلومات، والأنشط في رسالة التنوير. إنه معلمنا الشاب حتى الآن بروحه: الأستاذ/ حسن أشعري الذي غرس فينا عشق الكلمة والتسابق إلى القراءة، وذلك من خلال ثقافته النيرة، وبداية مهمته كمعلم، كانت قاعدته الثقافة )) .

ويدعو إلى تكريم المخرج الإعلامي (( «عبد الله رواس»لان تاريخه ومشواره يدعواننا لتذكير وزارة الثقافة والإعلام، لتنصف هذه الأسماء التي لها بصمة وتاريخ منذ الانطلاقة الإعلامية للتلفاز، وتكرمها باسم (الوطن) الذي لا يجحد خدمات أبنائه... على الأقل ليعيش المحتفى به -إن حصل- في بحر الهدوء من عمره/ رضاً وامتناناً لتقدير المميزين )) .

أما معالي الشيخ (( عبد الوهاب عبد الواسع: يعد في قائمة رجال الوطن الذين تركوا بصمة في العمل الحكومي: تعليماً، وعلماً، وثقافة دينية، ورحابة أمام سماعه للرأي الآخر ومحاورته، وأسهم في الحوار الذي بدأ محدوداً ثم اتسع عن: قضايا الأمة الإسلامية، وما تعاني منه، ومن أقواله: - «علينا أن نركز على نقاط الاختلاف بين المسلمين بدلاً من نقاط الالتقاء، لوقف مخطط تمييع الإسلام في مذاهب أخرى، ثم الانتقال بها نهائياً»! هكذا يذكره يوم رحيله معنونا عاموده باسمه رحمه الله .

ويواصل ذكر مآثر رجالات التربية والتعليم الأوائل فيقول ((الأستاذ «عبد الله بوقس» كرَّس توجُّهه نحو التخصص العلمي في شؤون «التربية» التي نعتبرها الكفة الأخرى الضرورية الهامة في ميزان التعليم.. فلا تعليم بلا تربية، بل إن التربية تأتي في مقام الكفة الأولى لهذا الميزان. وفي الإحساس بمسؤولية هذه الرسالة لدى المُربِّي «عبد الله بوقس».. فقد كان توجهه من خلال التأليف عن التربية: والنشاط الإذاعي البرامجي والإعلامي الذي يضيف إلى التجربة التربوية: معالجات عصرية... ))

ويستمر أديبنا صاحب الإحساس المرهف والكلمات العذبة معبرا ومواصلا إعجابه ببقية القوم ففضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان له مكانة خاصة في قلبه فكلما كتب فضيلته مقالا أسرع أديبنا إلى التعليق قائلا (( وماذا يفي شيخنا/ د.عبد الوهاب أبو سليمان من كلمات تضيء كافة جوانب مسيرته العلمية/ الفخر لمدينته «أم القرى» التي تعتز بانتماء هذا العالم الجليل إلى علماء الحرم المكي الشريف واغترافه من علمهم، والتزود بثمار علماء مكة المكرمة الذين أفاضوا بعلمهم من خلال حلقات الشيوخ الفقهاء في أول وأعظم جامعة إسلامية أمام قبلة المسلمين/ الكعبة )) وحينما ظهر كتاب " باب السلام " قال عنه (( فإن علم ومسيرة الشيخ/ د.عبد الوهاب أبو سليمان فوق كلمات المديح، هو العالم المتواضع في معاملته مع الناس، وهو العاشق المدافع عن الأماكن والآثار التاريخية التي تعرضت على مر السنين للطمس، وإلغاء وجودها، وتغريبها عن الحفاظ على قيمتها الدينية والتاريخية... وحرص/ د.أبو سليمان على الدفاع عن بقاء الأماكن التاريخية، وطالب بضرورة الاهتمام ببنائها.. وعبر العالم المكي عن الآلام التي سببها: طمس هذه الآثار، وذكر في ما كتبه، وفي الاحتفاء بقراءة كتابه «باب السلام في المسجد الحرام، ودور مكتباته في النهضة العلمية والأدبية الحديثة»، جعل محور الحوار ضياع الآثار الإسلامية الهامة في مكة المكرمة التي تمت إزالتها بحجة «سد الذريعة» في الوقت الذي لم يعد من الممكن مشاهدة شخص يتمسح بهذه الآثار، مثل آثار شعب بني هاشم، ومنزل أم المؤمنين/ خديجة رضي الله عنها، والمواقع التي شهدت أحداثاً حاسمة في تاريخ الإسلام بحجة سد الذريعة، في الوقت الذي لم يعد وجود للمتمسحين بحجر، أو المتبركين بأثر!! فإلى متى نفرط في آثارنا الإسلامية، ونمحو مواقعها، ونزيل معالمها لسد الذريعة، وأية ذريعة هذه في عصر العلم، والتنوير، والمعرفة؟!

وقال عن الشاعر علي أبو العلا يوم رحل (( فقدَتْ مكة المكرمة ابناً كان باراً بها، ملتصقاً بروحانيتها.. فاكتسب من هذا الجوار الدافئ إبداعاً شعرياً تشكل من نجوى الروح، ومن فلسفة مسيرة العمر طموحاً، وأملاً، وحياة، وإبداعاً بالكلمة... فأضاء شعره باسمه الذي انتمى -فخاراً- لمكة المكرمة، وليكون أحد شعرائها، ممن صوَّروا الزهد، وغرسوا بذور المحبة، فكان الشعر: نجواه، وتبتله في قصائده الدينية، ومحاكاته للإنسان وطموحاته، وللحياة ومغرياتها المؤقتة! )))

ولا ينسى العم الشيخ عبد الله كامل فيقول عنه (( لقد كانت حياة «العم عبد الله كامل» تموج بالأحداث: شاهداً عليها وأميناً على أسرارها، وهي جزء هام من تاريخ هذا الوطن.. وعاش معالي الشيخ/ عبد الله كامل مستودعاً لكل تلك الأسرار، وكنا نتطلع إلى تسجيل هذه المرحلة الهامة برؤية وبمعايشة الشيخ/ عبد الله كامل لها.. ولكنه في ما نتوقع- وليتنا نكون مخطئين في هذا التوقع- لم يترك للأجيال الجديدة أصداء من تلك الأسرار والذكريات والمواقف غير العادية!! ))

ويقول عن الفريق (( «صالح خصيفان»: يشهد له تاريخه العملي وتخصصه العسكري بالتميُّز في ولائه وتفانيه، مثلما يشهد له تعامله مع الناس باستحقاق كل تكريم يحصل عليه من ولي الأمر تعميقاً للثقة... وقد اختير هذا المسئول لمهمات كان في انجازه لها: المحك، وكان صراطه الذي حرص أن يكون دربه على جسر عمله هو: الحق وتحاشي الظلم.. وقد استمسك بالعدالة في مواجهته لكل قضية تناط به، ملتزماً بأداء العمل على استقامة الصراط الطويل الذي نعمت فيه البلاد بالأمان ومحاربة الإرهاب والاستقرار... وكانت فلسفة الأمن والأمان في رؤية «صالح خصيفان» تقوم على: حماية الوطن من الجريمة والانحراف، وعلى رعاية حقوق (الإنسان) في الحصول على فرصة الدفاع عن النفس، متمسكاً بالقاعدة التي قام عليها أمن هذا الكيان الكبير منذ المؤسس/ الملك عبد العزيز، وركائز هذه القاعدة التي ثبتت فوق: العدل، وإجلاء الحقيقة )).

وبكى أديبنا الجفري مرتين حينما رثى السيد علي شيخ جمل الليل بقوله (( هو: ابن مكة المكرمة البار، الوفي لترابها، الحفي بأترابه فيها، واللصيق بطهرها وقدسيتها، لم يفارق كعبتها، ولم يأنس إلا في جلالها وقبلتها. مرة واحدة.. جاء من عمق «مكة المكرمة»، وانبثق من رحمها: إنساناً بحجم العمر كله... فصنع مجيئه هذا المشوار الطويل من المجاهدة، والإصرار، والبناء، والصبر.. وترك بيننا: ثمرات الخير، من الأعمال الخيرة وحسن المعاملة ))

أما سفيرنا في بيروت فيقول عنه (( معالي/ د. عبد العزيز خوجه، الذي ترك مكتبه في السفارة وتحوَّل إلى (خادم) وطني، أو خادم وطنه وأهله، ووقف مع (كل) مواطن سعودي ذهب إلى لبنان لقضاء الصيف وأدركته الحرب الظالمة... فكانوا جميعاً يرددون بلسان وإحساس وعرفان واحد العبارة المكِّية: - «سفيرنا في لبنان.. بيَّض الله وجهه»!!))

ويوم صدر كتاب عن الأديب حمزة شحاتة لرفيق دربه الشاعر محمد صالح باخطمة علق السيد الجفري ((وبعد النظرة الأولى للكتاب الذي أصدره الحبيب/ محمد صالح باخطمة عن حبيبه وتوأم شجونه/ حمزة شحاتة، وكان أخي «الخياط» يزف إليَّ نبأ صدوره وإرسال نسخة منه إليَّ.. قلت: لقد أبدع باخطمه في صياغة مشاعره مع الشاعر، وشَحْذ ذاكرته في استدعاء المواقف والذكريات، واللمحات الشخصية والإنسانية، ولكن... أحسب أن الأستاذ/ محمد صالح باخطمه قد أبقى في جعبته (شيئاً من حتى) من غربة الشاعر ومنفاه الاختياري في القاهرة، واحسبني ظننت أن هناك المزيد من الذكريات والمواقف... لكني أعرف حرص أخي/ باخطمه على الالتزام بالمقايسة والممكن واللا ممكن، خاصة وقد كان -وحده - الأمين في تلك المرحلة التي التصق فيها بالشاعر على خصوصيات لعله رأى فيها واجب الاحترام لها!!))

أما المرأة وجليل أعمالها فلا ينسى من الإشادة به وهاهو يذكر الإعلامية دلال عزيز ضياء بقوله ((* لابد أن أفرح لهذه «الإعلامية» الطموح المثابرة على درب النجاح والإبداع: الإذاعية الكبيرة بمشوارها الإعلامي الإذاعي/ دلال عزيز ضياء، وذلك باختيار «وزارة الثقافة والإعلام» لها: مديرة للبرنامج الثاني الذي يضم (19) قسماً متنوعاً من البرامج، ويبثُّ على مدار (24) ساعة... وكنا قد اغتبطنا من قبل بوصولها إلى منصب: كبيرة المذيعين والمذيعات، رغم أن مشوارها غنيّ بالإنتاج الإذاعي المميز، وبالبرامج التي استطاعت «دلال» أن تضع بصمتها عليها، منذ أنعش صوتها أسماعنا بذلك الأداء الدافئ والمعبِّـر عن أبعاد معاني الكلمات التي تؤديها!!))

ويوم احتفت جامعة أم القرى بالأديب محمد سعيد خوجة قال السيد الجفري معلقا على المناسبة (( فنحن أمام شخصية غير عادية.. اضطلعت في مراحل حياتها «بأولويات» لبناء فكر الإنسان، وتشجيع إبداعه، والإسهام في إقامة مناهل العلم والأدب... فإذا «محمد سعيد خوجه» يفرض بمسيرته العلمية الأدبية الإنتاجية: أن يحفر تاريخ العلم والأدب في الحجاز باسمه: رمزاً من رموز القيادة الفكرية ))

ويوم مات السيد صادق دحلان قال عنه ((: مكي حتى النخاع، وانتماؤه جعل منه هذا المواطن: غرسة مثمرة احتضنته تربة مكة المكرمة المباركة، وانبثق زماناً عطاؤه الذي امتد وتفرع.. وصال وجال وأنتج عملاً خدم به أهداف أول مجلس شورى كان فتحاً للحوار بالرأي. وبعد الموت.. يقف الإنسان في الزمن بامتداد تاريخه وأعماله وإنتاجه، وحزنه الضحكة.. يردد مضموناً شعرياً بعنوان «من يدق باب قبري»، ويكتنفه الشعور بأنه الآن وحده في المكان، كأنه يعبر بوابات إلى اللا مدى )) .

ونختم وهذا غيض من فيض بما قاله عن الأخوين الكريمين صالح واحمد جمال (( تاريخ هذين الرائدين/ التوأمين في مسيرة الحياة لا في الولادة/ صالح وأحمد جمال، رحمهما الله، ارتبط بالكلمة، وبالدعوة لخدمة الإسلام، وعشق المعرفة والكتاب، فكان شريط عمريهما مضمخاً بأريج الإسلام، حتى وإن اختلفنا أحياناً مع طرح الأستاذ/ أحمد رحمه الله! )) 

وهكذا يظل سيدنا الجفري وفيّا لمجتمعه وأقرانه بوهج حروفه وومضات قلمه ووجدانيات نبضه وصدق تعابيره وآهات أنفاسه ونبل أخلاقه وملامح أوصافه وجميل كلامه وبلاغة منطقه وعذوبة منهله وصفاء فكرته في كتاباته ومقالاته وظلاله الوافرة بالثمار الجنية والطلعة البهية والتجربة الانسانية والتي ستظل باقية بيننا ما بقي حرفه ينبض حيوية وسريان . فان رحلت الأجساد فالأرواح لاشك متصلة بكمالها وصفائها وآثار كتابته تخلد ذكراه العطرة لأن التاريخ لا يخلد إلا العظماء من أصحاب القلم والعلم والأدب فرحمة الله تسكن قلبه الرقيق وجنة الفردوس تأوي روحه الزكية مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ويلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان على فراقه وبلسمهم تراثه الذي خلفه لهم .

من أقواله رحمه الله :

أحمل ميراثي، وأمشي.. في جذوري: قرار الحياة، لا استقرارها!

الميلاد ... والموت .. الأمل والفصول المتعاقبة التي لا تتعب ... كلها تعلن ضياءً في وجداني كله، وتهرب إلى أطراف الدنيا !!

أقبل على الحياة ... سلاحي هذا التراب الذي أخطو فوقه: اسمه: الوطن ... الانتماء .. التاريخ !

فهل رأيت عاشقاً يتخلى عن سلاحه ؟!!


ومن أقواله رحمه الله :


الصلاة والسلام عليك يا حبيبي يا رسول الله:

* هذه الخلافات المستعرة بين الإخوة المسلمين... وهؤلاء «الإخوة» في الإسلام: يقتل بعضهم بعضاً، تارة باسم الإسلام، وتارة باتهام إخوتهم في الإسلام بأنهم خرجوا عن الدين، والمغالين يصفونهم بالكفرة... ومن يملك أنْ يكفِّر مسلماً، إلا في هذا الزمان؟!

الصلاة والسلام عليك يا حبيبي يا رسول الله:

حياتك نبراس لمن أراد أن يستضيء في حياته بالحكمة، وبالرحمة، وبالعدل، وبالتراحم، والاعتصام بحبل الله... فمن يستضيء اليوم في هذه الصراعات، والانشغال بالأنا، والقفز فوق المبادئ والقيم؟!


 

ملحق الاربعاء جريدة المدينة
16/10/1429هـ الموافق 15/10/2008م